وأخيرا وجدت الشجاعة طريقها إلى قلب أحد الأشخاص الذي قدم محلولا ملحيا لهذا (الزومبي)، الأمر الذي ساعده على استعادة بعض من وعيه وأخيرا نطق باسمه، وتعرفت عليه عمته وأكدت والرعب ملء عينيها أنه مات ودفن من أربع سنوات، وعلى الفور تم استدعاء أحد كهنة (الفودو) الطيبين! الذي نجح بوسائله الخاصة في معرفة اسم الكاهن الشرير الذي أيقظ ذلك الميت المسكبن من نومته الأخيرة، كما اكتشف أن الساحر الشرير فعل نفس الشيء مع عشرات الأموات لكي يعملوا بالسخرة في مزرعته للأبد.
وبالرغم من كل ذلك رفضت الشرطة مدفوعة برعبها إلقاء القبض على الكاهن الشرير، وبعد يومين بالضبط تم العثور على جثة (الزومبي) المسكين وهذه المرة جثة بلا روح ولا حركة، بعد أن قتله الكاهن الشرير للمرة الثانية بسبب الفضيحة التي سببها له، وبسبب ما يمتلكه هؤلاء الكهنة الشريرون من قدرات مرعبة فإن سحرهم الذي يطلق عليه (الفودو) قضية لا تناقش في (هايتي)، حيث يخشى السكان هؤلاء السحرة لأنهم يخافون أن يتحول أقاربهم الموتى إلى جثث متحركة تعمل لحساب هؤلاء الكهنة الأشرار، لذلك يحرص سكان (هايتي) حتى اليوم على بناء غطاء حجري متين لتغطية قبور أقاربهم المتوفين، حتى لو باقتراض المال لبناء مثل هذه القبور.
وهناك من يخشون أعمال الكهنة الشريرون وحرصا منهم على عدم دخول موتاهم عالم (الزومبي) يقومون بحقن الأموات بسم، أو يشوهن أجسادهم بالسكين، ويطلقون عليهم الرصاص، أو يضعوا إبر خياطة بجون ثقب مع كرات من خيوط الصوف في القبر، وكذلك الآلاف من حبوب السمسم، حيث يعتقد أهالي (هايتي) أن أرواح الموتى ستكون مشغولة بمهام مستحيلة، مثل إدخال الخيط في الإبر المسدودة، أو عد الحبوب، وبذلك لن ينتبهوا لصوت الكهنة الأشرار وهم يستدعونهم.
مما سبق يتبين لنا قدرة الجن على تحريك جثث الأموات، رغم ما تمر به من عمليات تحلل كلما تقادم عليها الزمن، ولكن كما أن للجن قدرات فائقة فإن علومهم متطورة سابقة على علوم ومعارف الإنس، فمن الممكن لهم الوصول إلى تقنية تخفى علينا تمكنهم من الاحتفاظ بالجثث غضة طرية، فنجد أن الحضارات القائمة على السحرة تعاملت مع جثث الموتى بطرق تختلف من حضارة إلى أخرى، وأشهر هذه الطرق وأعقدها كان تحنيط جثث الموتى، خاصة في حضارة الفراعنة الغابرة، ولا تزال أسرار التحنيط مبهمة حتى يومنا هذا، والسبب أن الممارسات السحرية كان لها دور في تحنيط جثث السحرة، وهذا ما تثبته البرديات الفرعونية، ولأن نظرة الباحثين عن أسرار التحنيط قاصرة على جانب العلم البشري، فلن يصلوا إلى سر التحنيط ما لم يعترفوا ويقروا بدور السحر في تحنيط جثث الموتى، ودور السحر هنا يعني بالضرورة تدخل الجن في احتفاظ الجثة بهيئتها على مدار آلاف السنين.
والتحنيط ما هو إلا ندية من الشيطان لله عز وجل، فالله تبارك وتعالى يحفظ جثامين رسله وأنبياءه من أن تبلى، وكذلك الشيطان يحتفظ بطريقته الخاصة بجثث السحرة من الإنس، ليس إكراما لهم بقدر ما هو تحدي وندية منه لله تبارك وتعالى، فإن كان إكرام الميت دفنه، فإن من إهانته تحنيط جثته، فيبقى احتفاظ الأرض بجثامين الأنبياء (معجزة) وتكرمة لهم، وتحنيط الشيطان لجثث أولياءه (فائقة) وإهانة لهم، فالتحنيط هو تسخير من الشيطان لجثث أولياءه من الإنس، فكما باعوا أنفسهم للشيطان إبان حياتهم، فقد باعوا له أجسادهم في آخرتهم، لتكون دليلا على نديته لله تبارك وتعالى، فهم قاتلهم الله يحاربونه أحياءا وأمواتا، إذا فالساحر مسخر للشيطان حيا وميتا.
خمس محاولات لسرقة جثمان النبي صلى الله عليه وسلم:
ومما أدهش له ويشتد له أسفي أن تتكرر محاولات سرقة جثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم لم ينالوا منه حيتا فأبوا إلا أن ينالوا منه ميتا، فقد أثبت التاريخ خمس محاولات فاشلة لسرقة جثمانه الشريف، ولا ندري هل كان ثمة أكثر من خمس محاولات فاشلة أم لا؟ فقد ذكر محمد إلياس عبد الغني في كتابه (تاريخ المسجد النبوي الشريف) هذه المحاولات الخمس فقال ما مفاده:
يتبع