السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في مرة من المرات كنت أحمل معي في الكلية ورقة تحمل نكتاً وطرائف،
وكنت أقرؤها على زميلاتي،ففاجأتني زميلة لي أن هذه النكت حرام،
ولا يجوز أن أساهم في نشرها، وقالت لي:أن هناك فتوى للشيخ عبد العزيز
بن باز-رحمه الله واسكنه فسيح جناته- تقول:إن النكت حرام.
سؤالي هو:
هل قراءة هذه النكت حرام حتى ولو كانت تخلو من المحظورات الشرعية،
مثل:التنابز بالألقاب، والكلام الفاحش، وما إلى ذلك؟
وهل من يساهم في نشرها وقراءتها آثم؟
وجزاكم الله خيراً، وأحسن الله إليكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد:فأقول، وبالله التوفيق:
الضحك من صفات الإنسان، والإسلام بوصفه دين الفطرة لا يصادر نزوع الإنسان
الفطري إلى الضحك، وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يضحك ويُمازح
أصحابه غير أن ذلك لم يكن ديدنه وعادته في كل حين،
وما ذكرتِ في سؤالكِ عن النكت وكأنك تريدين بها المضحكات،
إذ لم أقف في (لسان العرب)لابن منظور،ولا في (القاموس المحيط) للفيروز
آبادي على أن من معاني النكت:المضحكات،كما هو شائع في عرف الناس اليوم،
وإن جاء في (المعجم الوسيط لمجمع اللغة 2/950)
أنها تأتي بمعنى:الفكرة اللطيفة المؤثرة في النفس.
وعلى أي حال فالمزاح والمضحكات مما يأنس به الناس ينبغي أن يقيد بقيود
وآداب لا بد من مراعاتها،
ومن أهمها:
1-ألاّ تتعلق بأمر من أمور الدين،أو تشتمل على تحقير لإنسان،أو استهزاء به
وسخرية، والآيات في هذا المعنى كثيرة وواضحة الدلالة.
2-ألا يكون الكذب والاختلاق أداة لإضحاك الناس،
ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
"ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب،ويل له ويل له"
أخرجهأبو داود (4990) والترمذي (2315) واللفظ له.
3-ألا يترتب على ذلك ترويع وفزع لمسلم.
4-ألا يهزل في موضع الجد،ولا يضحك في موضع يستوجب البكاء،فلكل شيء أوانه،
ولكل أمر مكانه، ولكل مقام مقال.
5-أن يكون ذلك في حدود الاعتدال الذي تقبله الفطر السليمة والعقول الرشيدة.
ولهذا تجد من العلماء من يحذر من تناقل المضحكات والولع بها لما تنطوي عليه من المحاذير الآنفة الذكر،وفي اشتغال المسلم بما ينفعه في دينه ودنياه غُنية عن الاشتغال باللهو،
والله من وراء القصد،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
السؤال
ما رأيكم في بعض المشايخ الذين يحكون بعض النكت لإضحاك المستمعين،
مع العلم بأن هناك حديثاً ينهى عن ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحكاية النكت لإضحاك المستمعين جائزة إذا كانت في حدود الأدب الشرعي،
فقد روىالترمذيعنأبي هريرةقال:
"قالوا:يا رسول الله إنك تداعبنا، قال:إني لا أقول إلا حقاً".
تداعبنا يعني تمازحنا. وهذا الحديث قد صححه الشيخ الألباني وغيره.
وعنه أيضاً في كتاب الشمائل،عنالحسنقال:
"أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:يا رسول الله،ادع الله لي أن
يدخلني الجنة،فقال:يا أم فلان،إن الجنة لا تدخلها عجوز. قال:فولت العجوز
تبكي، فقال:أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز،إن الله تعالى يقول:
{إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا* عُرُبًا أَتْرَابًا}".
والواجب على من أراد التنكيت أن يتجنب الكذب،
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب،ويل له ويل له".
وهذا حديث حسن أخرجهأحمد وأبو داود والنسائي والحاكم والدارمي
عن معاوية بن حيدة.
قال المباركفوري في شرح الحديث:
ثم المفهوم منه أنه إذا حدث بحديث صدق ليضحك القوم فلا بأس به..
وعليه أيضاً أن يتجنب السخرية والاستهزاء بالآخرين،
لقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ
وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا
بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
[الحجرات:11]
وقوله:
{وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}
[الحجرات:12]
فإذا راعى صاحب النكت هذه الأمور،ولم يجعل جل وقته في التنكيت،
فلا نرى عليه بأساً فيه.
والله أعلم.
منقول للفائدة