إن تفكير الانسان في خلق الله تعالى يوقفه على حقيقة بديعة هي متانة الخَلْق والتدبير في كل مفردات الكون وأجزائه، وإن النظرة السليمة التي ينبغي أن يسلكها الانسان ليست التي تقف به عند ظواهر الأشياء، بل التي تحمله من الظاهر المشهود إلى الباطن المحجوب، ومن معرفة المخلوق إلى معرفة الخالق عز وجل الذي أنشأه وأبدع له النظام الذي يسير عليه، ألم تر إلى قول الله تعالى: " الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور (3) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهوحسير (4)" (الملك)، فإنها تكشف عن عظمة خلق الله تعالى للسماوات السبع تكاملاً وتناسقا ومن هنا جاء الخطاب الإلهي الكريم في سورة آل عمران يدعو كل فرد من أبناء البشر للنظر والتفكر في خلق الله،ودراسة الظواهر المختلفة، لأن مسؤول عن معرفة الحقيقة والوصول إلى درجة اليقين من الإيمان بالله تعالى، فإلى جانب البصر ينبغي أن يعمل الإنسان بصيرته أيضاً لأن العين نافذة القلب على الحياة، ولهذا أثنى على المتفكرين:" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب 190 الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار 191 " (آل عمران)
إن خلو الإنسان بنفسه كي يتأمل عالمه الداخلي ويتعبد ويحاسب نفسه على أخطائها يزيده صقلاً وصفاء، وأشارت الدراسة إلى أن علماء الإسلام أكدوا أن في الخلوة فوائد كثيرة، منها تجنب آفات اللسان وعثراته، والبعد عن الرياء والمداهنة، والزهد في الدنيا، والتخلق بالأخلاق الحميدة، وحفظ البصر وتجنب النظر إلى ما حرم الله تعالى، كما أن التفرغ للذكر فيه تهذيب للأخلاق، وبعد عن قساوة القلب، وفي هذا إشارة إلى أهمية التمكن من عبادةالتفكر والاعتبار ولذة المناجاة ومحاسبة النفس ومعاتبتها، وإن معرفتنا بعظمة الله تورث القلب الشعور الحي بمعيّته.
أن الإنسان يستطيع في ساعة واحدة من التفكر الصحيح المثمر تغذية أسس إيمانه وتقويته، فتبرق في نفسه أنوار المعرفة وتومض في قلبه المحبة الإلهية، فيصل إلى الأشواق الروحية ويطير في أجوائها .