وهل محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا من محبة الله تعالى ؟! وهل طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا من طاعة الله عز وجل ؟! : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(آل عمران/31) . يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية الشريفة : " إن هذه الآية الكريمة حاكمة على من ادعى محبة الله تعالى وليس هو على الطريقة المحمدية ، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ)) ولهذا قال الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول كما قال بعض الحكماء : ليس الشأن أن تحب ، إنما الشـأن أن تُحبَّ .
وحبّ سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
يقول - عليه الصلاة والسلام - : ((من أحب سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة)) .
وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها مكانتها ومنزلتها ، فرتبتها تلي رتبة القرآن الكريم ، فهي في المنزلة الثانية بعد كتاب الله عز وجل ، توضح القرآن الكريم وتفسره وتبين أسراره وأحكامه ، وكثير من آيات القرآن الكريم جاءت مجملة، أو عامة ، أو مطلقة ، فجاءت أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعماله كاشفة للمراد الإلهي وموضحة له عندما فصّلت المجمل ، أو قيدت المطلق ، أو خصصت العام : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )(النحل/44) .
وهي الينبوع الثاني من ينابيع الشريعة الإسلامية .
هي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد كتاب الله عز وجل : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(آل عمران/164) والحكمة هنا : السُّنَّة .
ولقد أمرنا المولى سبحانه باتباعها ونهانا عن مخالفتها : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر/7) ليس لنا إلا التسليم المطلق بها والإذعان لأحكامها : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم)(الأحزاب/36) .
كما جعل سبحانه التسليم بها دلالة وعلامة على الإيمان الحق الصادق : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(النساء/65) .
وهي حجة في التشريع ؛ لأنها وحي يوحى : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)(النجم/3 ، 4) .
من أجل ذلك كانت أقواله وأعماله - صلى الله عليه وسلم - بوصفه رسولاً - داخلة في نطاق التشريع .
وما دامت أحكامه صادرة عن طريق الله تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ )(النساء/105) ، وما دام هو مهدي إلى صراط الله تعالى وهو يهدي إلى صراط الله عز وجل ، فعلى الناس الائتمار بأمره ، والابتعاد عن نهيه : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر/7) .
فإذا كان الأمر كذلك ، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف نحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
إن حبه - صلى الله عليه وسلم - يكون بتعظيمه وتوقيره واتباع سنته والدفاع عنها ونصرة دينه الذي جاء به ، وبمعنى آخر أن نحبه كما أحبه أصحابه - رضوان الله عليهم - .
فمن المعلوم أن المجتمع المكي كان مجتمعـًا كافرًا فجاءه النور المبين - صلى الله عليه وسلم - ، فدعا إلى الله سبحانه ، ولقي ما لاقى من الصد والإعراض والأذى ، وأبى أكثر الناس إلا كفورا ، وفتح الله سبحانه بعض القلوب لهذه الدعوة الخالدة ، ولهذا النور المبين ، فدخلت مجموعة بسيطة في دين الله سبحانه ، فكيف كان الحب بينهم ؟
يتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبع