الغريب و الفريد و الإستثنائي و المجهول في الروحانيات. بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين من بين الخصائص التي تتميز بها الروحانيات سواء عند المسلمين أو عند غيرهم من الشعوب، إعتمادها على الغريب و الفريد و الإستثنائي و المجهول. عند المسلمين، الروحانيات لم تحيدَ عن هذا النهج. أثارت الحروف التي لها وضعٌ خاصٌ بالقران الكريم باهتمام الروحاني العربي فنسب لها خصائص غير عادية و رتَّب لها ترتيبات و قواعد، حتى أنه أطلق عليها إسما أصبحت تُعرف به ـ حروف النور ـ . و خاصية هذه الحروف أنها أتت منفردة ك ق، ن أو مجتمعة ك المص، و في كلتا الحالتين المعنى لا يستقيم بهم ظاهريا، فكان ترتيبهم في أوائل السور كحروف منفردة أو متصلة من غير معنىً ظاهري تُفيده أمرا غريبا جعل منها محط اهتمام. هذه الحروف أصبح الروحاني العربي يستخدمها في أعمال الخير، ثم يستعمل سواها في أعمال الشر. مرةً أخرى نجد عُنصر الإستثناء مسيطرا على التوجه الروحاني إذ ينسب الأثر و الفعل لآية قرآنية لأنها تجمع حروف المعجم،و هذا وضع استثنائي لم يتحقق إلا بآيتين قرآنيتين. فهنا نلاحظ أن عنصر الإسثناء شكَّل الخاصية التي بُنيت عليها الفائدة الروحانية. ملاحظة خارجة عن الموضوع/ قسّم الروحاني العربي الحروف إلى نورانية و ظلمانية، و ذهب إلى أن حروف النور تُستعمل للخير و حروف الظلام تستعمل للشر، فأوَّلا لا ندري لماذا و بماذا تنوّرت الأولى و أظلمت الثانية، هل يُعقل أن يصيغ القلم الإلهي كتابه و كلامه بحروف ظلامية، ثم أليس هذا تناقضا إذ ذهبوا إلى أن الآيتين فيهما خصائص الخير و الشفاء مع أنها تشتمل على حروف الظلام أيضا؟ نواصل. في علم الأسماء، هنا أيضا تعتمد الخاصية الروحانية على الغريب و المجهول و الإستثنائي، كم تكلّم الروحاني المسلم عن إسم ليس كالأسماء، كم تكلموا عن اسم الله الأعظم و بحثوا فيه، و منهم من رتب له حسابات و منهم من جعله متضَمَّنا في وفق و منهم من جعله في طلسم، و ما اهتمامهم به إلا لأنه مجهول و استثنائي في عالم الأسماء. ثم الأسماء التي بُنِي عليها هذا العلم، الكثير منها بلغات أجنبية أو تُنسب لتلك اللغات، بل و أغلبها مجهول الأصل، و لعلّ الروحاني العربي يُفضلها عن غيرها من الأسماء لأنه وجد أنها قوية. فهنا أيضا نلاحظ أنه أساس القوة الروحانية بُني على ما هو غريب، مجهول و أجنبي. الدعوات الروحانية كذلك، أشهر الدعوات الروحانية كُتبت بلغات يقولون أنها سريانية أو عبرية أو قديمة كالبرهتية مثلا. و العنصر الأجنبي حاضر حتى في البحث عن هذه الدعوات، فابن الحاج لم يجد دعوة الشمس إلا ببلاد الغربة و عند أجنبي أقصد بغداد. ثم نأتي إلى الوسائل و الأدوات. تقولُ إحدى المغنيات المغربية في أغنية مشهورة ـ جيبو لي دم المغدور، نحمقو نخليه يدور ـ ، بمعنى أحضروا لي دم المغدور/ المقتول غدرا، حتى أعمل له به عملا أجعله به أحمقا، كأنها تريد أن تجلبه بعمل جلب. المهم، ما يهمنا هنا في هذه الوصفة الشعبية هو الأداة، و هي دم المغدور، و المغدور طبعا لم يَمُت موتا طبيعيا، فموته استثنائي، فأيُّ خاصية تميزه عن الدم العادي. أضف إلى هذا استخدامُ الحيوانات الغريبة الغيرالمألوفة لدى الإنسان في البخور و الكتابة، و استخدام النباتات التي قد لا توجد إلا ببلاد بعيدة غريبة. ورد في شموس الأنوار أن الخادم ـ يُعطيك قضيبا أبيضا...و ذلك القضيب لا يعرفه أحد من أي شجرة هو، و إنما هو من شجرة الصندل النابتة بوادي سرنديب. ـ ثم استخدام اسم الأم بدل اسم الأب، مع أن المرء يُنسب لأبيه، فتركوا الأصل و العام إلى الاستثناء. إلى غير هذا من ما لا يحضرني الآن، فكما نلاحظ بُنيت الروحانيات عند العرب سواء ما يسمونه بالعلويات أو السفليات، في جانب كبير منها على ما هو غريب و اجنبي و مجهول و استثنائي. قد يرى أصحاب الروحانيات أن ذلك حق و يُحقِّق المراد، و قد يرى أصحاب التفسير النفسي أن الغريب و المجهول و الاستثنائي يحمل في حد ذاته مصدر الشحن للروحاني بالاعتقاد في القوة المنبثقة من ذلك الوضع الغير العادي.
وَفـي الـعِـلــمِ لَـنــا نُــورٌ نَـسِـيـرُ بـهِ فــي دُنـيَـانــا تَـقُــومُ بــهِ حَـوائـجُـنــا تُـحَــلُّ بــهِ قـضَـايَــانــا تُـضِــيءُ بــهِ بَـصَـائـرُنَــا تُـصَــاغُ بــهِ وَصَـايَــانــا نُـــلَـــقِّـــنـــهُ لأَولادٍ ....وفَـتَــيــاتٍ ....وَفِـتــيَــانــا وَنَقْـطِـفُ مِـن ثِـمـارِ الـفِـكْـ ـرِ أشــكــالاً وَألــوَانـــا فَـنَـأخُــذُ مِـنــهُ أَشـيــاءً وَنَـرفُـضُ أُخــرَى أَحْـيَـانــا ●○●○●○●○●○●