(72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
(فذبحوها) بعد تحصيلها وذلك أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له طفل وله عجلة فأتى بها إلي غيضة فقال اللهم إني أستودعك هذه العجلة لابني حتى يكبر ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة عوانا وكان الولد يحتطب كل يوم وله أم وهو بار بها فيأتيها بثلث قيمة الحطب ويتصدق بالثلث ويأكل الثلث فأخبرته أمه يوما عن العجلة وقالت له اذهب بها إلي السوق وبعها بثلاثة دنانير ولا تبع إلا بمشورتي فذهب بها إلي السوق فبعث الله إليه ملكا ليختبره بره بوالدته وهو أعلم فقال له الملك بكم أبيع هذه البقرة فقال بثلاثة دنانير ولكن أستاذن و الدتي فقال الملك بستة دنانير ولا تستأمرها فقال الفتى لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلا برضا والدتي فأتى إلي والدته فأخبرها فقالت له عد إليه وبع بذلك فأتاه الملك فقال له استأذنت أمك فقال نعم وأمرتني أن لا أنقصها عن الستة الدنانير ولكن على أن أستأمرها أيضا فقال الملك له إني أعطيك إثني عشر دينارا على أن لا تستأمرها فأبى الفتى ورجع إلي أمه و أخبرها بذلك فقالت له هذا ملك إذا أتاك سله أن إثني عشر دينارا على أن لا تستأمرها فأبى الفتى ورجع إلي أمه و أخبرها بذلك فقالت له هذا ملك إذا أتاك سله أن أبيع هذه البقرة أم لا ففعل فقال له الملك اذهب إلي أمك وقل لها إمسكي البقرة فإن موسى يشتريها منكم لقتيل من بني إسرائيل فلا تبيعونها إلا بملء مسكها دنانير أي جلدها فأمسكوها فأخذها منهم بنو إسرائيل بتلك القيمة فذبحوها ( وما كادوا ) أي وما قاربوا ( يفعلون ) لغلاء ثمنها وما ذاك إلا أنهم شددوا فشدد عليهم كما قال صلى الله عليه وسلم لو اعترضوا أي بقرة كانت فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا على انفسهم فشدد الله عليهم ( وإذ قتلتم نفسا) بغير حق بل طمعا في الدجنيا (فادارأتم ) اختصمتم (فيها ) في شأنها ( والله مخرج ) مظهر ( ما كنتم تكتمون) من أمر القتيل (فقلنا اضربوه) أي القتيل (ببعضها ) بالعجب فحي وسمى لهم قاتله قال الله تعالى ( كذلك ) مثل ما إأحيا الله هذا ( يحي الله الموتى ) الذي ينكر بعثهم من ليس له عقل ( ويريكم آياته) الدالة على كمال قدرته ( لعلكم تعقلون ) أن من قدر على مثل هذا قادر على بعث الأموات من قبورهم
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)أَوَلَا يَعْلَمُونَ
(ثم قست ) غلظت وصلبت (قلوبكم ) المدبرة عن الله (من بعد ذلك ) أي مشاهدة إحياء القتيل وغيره من الآيات ( فهي ) الضمير لقلوبهم القاسية (كالحجارة) في قسوتها وشدتها ( أو أشد قسوة ) من الحجارة ( وإن من الحجارة لما يتفجر ) وتخرج ( منه الأنهار ) الجارية (وإن منها) الضمير للحجارة ( لما يتشقق فيخرج ) فينبع ( منه الماء وإن منها ) أيضا ( لما يهبط ) متدليا من علوه إلي السفل ( من خشية الله ) وخوفه وقلوبكم من شدة غفلتها عن الله وإدبارها لا يقع لها ذلك ( وما الله بغافل عما تعملون ) فيمهلكم ( أفتطمعون) خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم و المؤمنين ( أن يؤمنوا ) اليهود (لكم) ويصدقوكم (وقد كان فريق ) طائفة ( منهم ) أي من اليهود وهم أحبارهم (يسمعون كلام الله ) في التوراة من وصف النبي صلى الله عليه و سلم وكآية الرجم (ثم يحرفونه ) يبدلونه (من بعد ما عقلوه ) وعرفوه و فهموه ( وهم يعلمون ) أنهم مغيرون ومبدلون (وإذا لقوا ) المنافقون منهم (الذين آمنوا ) المؤمنين الصادقين ( قالوا آمنا) بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه المنعوت في كتابنا ( وإذا خلا بعضهم إلي بعض ) واجتمعوا مختلين ليس معهم مؤمن (قالوا ) الرؤساء منهم المصممون على الكفر ( أتحدثونهم ) أتخبرونهم ( بما فتح الله عليكم ) من نعت النبي عليه وسلم في التوراة (ليحاجوكم) ليجادلوكم ( به عند ربكم ) يوم العرض عليه ( أفلا تعقلون ) أن إخباركم لهم بذلك مما يقيم عليكم الحجة يوم القيامة ( أو لا يعلمون ) الاستفهام للتقرير
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى
(إن الله يعلم) منهم ومن جميع العباد ( ما يسرون) من النيات والإيمان وما يسر هؤلاء المنافقون من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وما يعلنون) يظهرون من الإيمان به ( ومنهم) من اليهود (أميون ) عوام لا يقرءون ولا يكتبون فلذلك ( لا يعلمون الكتاب ) كتاب التوراة وما فيه من وصف النبي صلى الله عليه وسلم ( إلا ) لكن ( أماني) يغشهم بها أحبارهم كما قال تعالى عنهم ((وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أما نيهم )) ( وإن هم ) ما هم في إنكارهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (إلا يظنون ) ظنا فاسدا (فويل ) واد في جهنم وفي الحديث قال رسول صلى الله عليه وسلم ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) ويختلفون من تلقاء أنفسهم ويضمنونه تحريف ما فيه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم ( ثم يقولون ) لجهالهم (هذا من عند الله ) وفعلهم ذلك ( ليشتروا به ) لينالوا به (ثمنا قليلا) من أغراض الدنيا (فويل لهم مما كتبت أيديهم ) من التقول على الله ( وويل لهم مما يكسبون ) مما يأخذونه من الثمن المذكور ( وقالوا ) تأليا على الله حين هددهم النبي صلى الله عليه وسلم بالنار ( لنتمسنا النار) أي نار جهنم ( إلا أياما معدودة ) أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل (قل ) أيها النبي الكريم ( أتخذتم ) بذلك وقرئ اتخذتم بالإدغام ( عند الله عهدا ) وميثاقا (فلن يخلف الله عهده ) أن عهد إليكم أن لا يعذبكم إلا هذه المدة ( أم ) بل ( تقولون على الله ) تهكما وجرأة ( مالا تعلمون) أن الله واعدكم به فاستولت أحبارهم على جهالهم وجهالهم على علمائهم فصار الكل على الوبال وفي الحديث في معنى مثل ذلك ويل للعالم من الجاهل وويل للجاهل من العالم (بلى ) تمسكم النار وتخلدون فيها
مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ
(من كسب سيئة ) واقترف قبيحة ( وأحاطت به ) من جميع جوانبه ( خطيئته ) وقرئ خطياته بقلب الهمزة ياء والإدغام وهذا وصف الكافر لا تحيط الخطيئة إلا به لخلوه من حسنة ولذا قال فيه تعالى ( فأولئك أصحاب النار) سكانها الملازمون ( هم فيها خالدون) لا يخرجون ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات) و خالفوا أنفسهم وجاهدو في طاعة الله ( أولئك أصحاب الجنة ) ساكنوها (هم فيها خالدون ) من غير خروج أبدا ( وإذ أخذنا ) في التوراة ( ميثاق ) وعهد ( بني إسرائيل لا تعبدون ) أي وقلنا لهم في ذلك العهد لا تعبدون وقرئ لا تعبدون وقرئ أن لا تعبدوا وقرئ يعبدوا بالياء ( إلا الله ) الذي خلقكم ( وبالوالدين ) أحسنوا إليهما ( إحسانا) بأن تبروهم ( وذي القربى ) أحسنوا إليهم بالمواصلة ( واليتامى و المساكين ) أيضا أحسنوا إليهم بأنواع ال‘حسان ( وقولوا للناس ) إن جادلتموهم أو هديتموهم ( حسنا ) وقرئ حسنا بفتحتين وقرئ حسنا بضمتين أي قولوا لهم قولا حسنا مشتملا على لطف ولين ووعظ و تذكير بصورة غير منفرة حتى ينقادوا وفيما ذكرنا من معنى الآية تعليم خطاب المعلم لمن يتعلم منه و أما اليهود فلم يفعلوا ما أمرهم الله8 به ثم قال لهم الله في العهد ( وأقيموا الصلاة ) التي افترضتها عليكم ( و آتوا الزكاة ) التي أوجبتها عليكم ( ثم توليتم) عن ذلك بعد قبوله ( إلا قليلا منكم ) وهم الذين أسلموا ( وأنتم معرضون ) عن قبول الحق كما دأب آبائكم من قبلكم ( و إذ أخذنا ) أيضا عليكم ( ميثاقكم ) وعهدنا إليكم بأن قلنا لكم ( لا تسفكون دماءكم) لا يقتل بعضكم بعضا
يتبع
