وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ
(ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) بأن لا يخرج بعضكم بعضا من داره ( ثم أقررتم ) اعترفتم بالميثاق ( وأنتم تشهدون ) على إقراركم ( ثم أنتم ) بعد ذلك ( هؤلاء ) نداء أي يا هؤلاء ( تقتلون أنفسكم ) أي يقتل بعضكم بعضا وقرئ تقتلون مشددا ( وتخرجون فريقا ) طائفة ( منكم من ديارهم ) وتخرقبونها ( تظاهرون ) أي تتعاونون (عليهم ) وقرئ تظاهرون بتشديد الظاء وقرئ بتاءين ( بالإثم ) المعصية ( والعدوان) العداوة ظلما بغير حق ( وإن يأتوكم أسارى ) وقرئ أسرى ( تفادوهم ) أي تنقذوهم من أسرهم بالمال وقرئ تفدوهم ( وهو ) أي المعهود إليكم من الله ( محرم عليكم إخراجهم ) أي إخراجهم من ديارهم ( أفتؤمنون ببعض غالكتاب ) أي فدائهم ( وتكفرون ببعض ) وهو القتل و الإخراج و المظاهرة والقصة أن قريظة حالفوا الأوس و النضير حالفوا الخزرج فكان كل منهم يقاتل مع حلفائه ويخرب ديار الآخرين ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم فإن قيل لهم لم تفدونهم يقولون أمرنا بالفداء وإن قيل لهم لم تقاتلونهم يقولون لا نرضى أن يهان حلفاؤنا فهذا هو الإيمان بالبعض و الكفر بالبعض وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الله عليهم أربعة عهود ترك القتل وترك ال‘خراج وترك المظاهرة وفداء أسراهم فأعرضوا عن كل ما أمروا إلا الفداء ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم ) معشر اليهود ( إلا خزى ) تعاملون به ( في الحياة الدنيا ) وقد وقع لهم ذلك فقتل بنو قريظة وسبوا وأجلى بنوا النضير وضربت الجزية على غيرهم فما أشده من خزي وذل (ويوم القيامة ) مع ما وقع لهم في الدنيا ( يردون) وقرئ بالتاء ( إلي أشد العذاب ) لارتكابهم أشد معصية لنقضهم العهود و تغيير ما جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم المحمود
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ
(وما الله بغافل عما تعملون ) بل هو بالمرصاد وقرئ بالياء (أولئك) اليهود المبدلون ( الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) و آثروها عليها (فلا يخفف عنهم العذاب ) لا في الدنيا بنقص الجزية ولا في الآخرة ( و لا هم ينصرون ) فيدفع عنهم ( ولقد آتينا موسى ) بن عمران الكليم ( الكتاب ) التوراة (وقفينا) على أثره ( من بعده بالرسل) أي بأن أرسلنا من بعده رسلا ( و آتينا عيسى) كلمة الله ( ابن مريم ) خادم الله الصالحة ( البينات) المعجزات الظاهرات المذكورة في قوله تعالى (( وأبرئ الأكمة والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون )) الآية وما قبلها ( وأيدناه ) أي قويناه (بروح القدس) جبريل وقرئ القدس بالإسكان في جميع القرآن (أفكلما جاءكم ) معشر الكافرين (رسول ) من عند الله (بما لاتهوى) تحب ( أنفسكم) الخبيثه ( استكبرتم) عن الايمان والانقياد له (ففريقا كذبتم ) كموسى وعيسى (وفريقا تقتلون ) كزكريا ويحي ( وقالوا) النبي صلى الله عليه وسلم مستهزئين (قلوبنا غلف) عليها غشوة لا تعي قولك ( بل) ليست بغلف إنما (لعنهم الله) لعدم قبولهم الحق وطردهم عن رحمته (بكفرهم) بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عنادا (فقليلا ما يؤمنون) أي إيمانهم قليل وما مؤكدة (ولما جاءهم ) على لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (كتاب من عند الله ) وهو القرآن (مصدق لما معهم) وهو التوراة (وكانوا من قبل ) أي قبل ظهور بعث النبي صلى الله عليه وسلم و نزول القرآن ( يستفتحون) يستنصرون