فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ
(فتوبوا) مما جنيتموه ( إلي بارئكم ) خالقكم (فاقتلوا أنفسكم ) أي فاقتلوها بمجاهدتها وخالفوها بترك الشهوات فإن من ماتت نفسه أدرك أشرف الحالات وإلي هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله موتوا قبل أن تموتوا ( ذلكم ) القتل ( خير لكم عند بارئكم ) و أرفع لدرجاتكم لديه ( فتاب عليكم ) حين تبتم ( إنه هو التواب ) على من تاب (الرحيم ) بمن أقبل عليه و أحسن ماللمآب ( ولإذ قلتم ) لموسى لما خرجتم تعتذرون إلي الله من عبادة العجل ( يا موسى لن نؤمن لك ) ونقر (حتى نرى ) بأبصارنا (الله جهرة ) بلا حجاب بل عيانا (فأخذتكم الصاعقة ) صيحة البطش الإلهي حتى خررتم ميتين مستوليا عليكم الإغماء و الدهش يوما وليلة ( وأنتم تنظرون ) ما نزل بكم (ثم بعثناكم ) أحييناكم و أخرجناكم ( من بعد موتكم ) الذي متموه ودهشكم الذي بالصاعقة حللتموه (لعلكم تشكرون ) آلاء الله التي كفرتموها حين رأيتم كبير نعمته (وظللنا عليكم الغمام) بأن سخرناه لكم في التيه فصار من فوقكم يقيكم من حر الشمس (وأنزلنا عليكم ) في التيه (المن ) الترنجبين وهو شيء حلو ( و السلوى ) السماني وهو طير فتأكلون لحمه من غير تعب (كلوا من طيبات ما رزقناكم ) واشكروا من أولاكم ( وما ظلمونا ) بكفرانهم هذه النعم ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بإدخالهم لها العذاب لكفرهم بما أنعمنا عليهم ( وإذ قلنا لهم بعد خروجهم من التيه ( ادخلوا هذه القرية ) بيت المقدس أو أريحا ( فكلوا منها ) الضمير للقرسية أي مما فيها من النعم ( حيث شئتم رغدا ) واسعا ( وادخلوا الباب ) باب القرية
سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا
(سجدا) لله شكرا على إنجائكم من التيه ( وقولوا ) مسألتنا (حطة) نسألك أن تحط عنا خطايانا وقرئ بالنصب (نغفر لكم ) وقرئ يغفر لكم وتغر لكم بالناء للمعول (خطايكم ) ذنوبكم ( وسنزيد المحسنين) بطاعتنا ثوابا جزيلا (فبدل الذين ظلموا ) من بني إسرائيل لشقاوتهم ( قولا غير الذي قيل لهم ) من الذلة والانكسار و التوبة للعزيز الغفار بمطالب دنيوية و أحوال عند الله غير مرضية (فأنزلنا على الذين ظلموا ) حين فعلو ذلك (رجزا ) وقرئ رجزا بالضم ( من السماء ) وهو الطاعون فمات منهم نحو سبعين ألفا (بما كانوا يفسقون ) وعن طاعة الله يخرجون (وإذ استسقي ) طلب الإغاثة من الله (موسى لقومه ) لما كانوا في التيه وأصابهم العطش (فقلنا) له حين أردنا إغاثته ( اضرب بعصاك) وهي العصا التي أخذها من شعيب (الحجر ) وكان مربعا (فانفجرت) انشقت (منه) من الحجر بقدرة الله معجزة لموسى (اثنتا عشرة عينا) بعدة أسباط بني إسرائيل ( قد علم كل أناس ) من الأسباط (مشربهم ) الذي يشربون منه (كلوا واشربوا من رزق الله ) الذي من عليكم به ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) وتكونوا عن طاعة الله خارجين ( وإذ قلتم ) لخبث طبيعتكم (ياموسى ) كليم الله (لن نصبر على طعام واحد ) وهو المن و السلوى ( فادع ) تضرع وأسأل ( لنا ربك ) المعتنى بك المجيب لدعواتك (يخرج لنا ) أي يوجد لنا (مما تنبت الأرض ) بأمر الله لها (من بقلها ) وهو ما تنبت الأرض من الخضروات ( وقثائها ) نوع منها وقرئ وقثاؤها بالضم (وفومها) وهو الثوم أو الحنطة
وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ
(وعدسها) نوع من الحبوب ( وبصلها قال ) موسى ( أتستبدلون) تتخذون بدلا (الذي هو أدنى ) أحقر و أخس وقرئ أدنا من الدناءة ( بالذي هو خير ) أي المن و السلوى فإنه أعظم و أرفع ( اهبطوا ) انحدروا (مصرا ) من التيه وقرأ ابن مسعود غير منون (فإن لكم ) في الأمصار ( ما سألتم ) من الطعام ( وضربت ) جعلت (عليهم الذلة ) والهوان و الصغار (و المسكنة ) ألزموها فلا يزالون في أثر البؤس و الفقر (وباءوا ) وانصرفوا و عادوا (بغضب من الله ) حل بهم (ذلك ) العقاب ( بأنهم ) بسبب أنهم (كانوا يكفرون بآيات الله ) من فلق البحر وإظلال الغمام و الآيات التي فيها وصف النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك (ويقتلون النبين) كزكرياء وشعيب وغيرهما (بغير الحق ) بل ظلما و عدوانا (ذلك بما عصوا ) أي بسسبب عصيانهم لرب العالمين ( وكانوا يعتدون ) حدوده فبئس مثال الظالمين ( إن الذين آمنوا ) بالأنبياء من قبل ( و الذين هادوا ) أي تهودوا وهم اليهود ( و النصارى ) وهم الذين نصروا المسيح وكانت قريتهم تسمى نصران (و الصابئين ) جماعة منهما وقريء الصابيين بالياء (من آمن ) منهم (بالله ) وأخلص التوحيد له ( واليوم الآخر ) وما فيه من الوعد و الوعيد ( وعمل صالحا) بالإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم (فلهم أجرهم ) جزاؤهم على أعمالهم (عند ربهم ) لديه ( ولا خوف عليهم ) من سوااه ( ولا هم يحزنون ) لفقد أحد عداه ( وإذ أخذنا ) عليكم (ميثاقكم) وهو العهد بالعمل بما في التوراة ( ورفعنا فوقكم الطور) حين أبيتم قبول التوراة فأمرنا جبريل بقلع الطور فظلله عليكم فخفتم من رضخكم به فقبلتم فقلنا لكم
خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ
(خذوا) قابلين (ما آتيناكم) أعطيناكم وهو التوراة (بقوة) باجتهاد وعزم ( واذكروا ما فيه ) واعملوا به (لعلكم تتقون ) وعن عذاب الله تبعدون (ثم توليتم ) معرضين ( من بعد ذلك ) الميثاق (فلولا فضل الله عليكم ) بتوفيقكم للتوبة ( رحمته) بكم ليدخلكم دائرة النعمة (لكنتم من الخاسرين) أنفسهم الموبقين لها في دار النكال و الوبال ( ولقد علمتم ) عرفتم ( الذين اعتدوا ) بمجاوزة ما حد لهم ( منكم ) يا أهل قرية إيلياء ( في السبت ) بأن لا يصطادوا الحوت في يومه (فقلنا لهم ) حين تجاوزوا حدنا و اصطادوا ( كونوا قردة ) بأن لا يصطادوا الحوت في يومه (فقلنا لهم ) حين تجاوزوا حدنا و اصطادوا ( كونوا قردة ) بأن مسخناهم (خاسئين ) مطرودين وقرئ قردة بفتح القاف وكسر الراء وحذف همزة خاسئين (فجعلناها ) أي المسخة ( نكالا) عبرة ( لما بين يديها ) أهل عصرهم ( وما خلفها ) من بعدهم ( وموعظة ) أي عظة وتذكرة ( للمتقين ) الذين غلبت عليهم خشية الله ( و إذ قال موسى ) بن عمران (لقومه ) وذلك حين قتل بنو أخي رجل غني وكانوا فقراء عمهم وكان لا وراث له سواهم فلما قتلوه وحولوه إلي فناء قرية بجانبهم ثم أصبحوا يطليبون بثأره فجاءوا بناس إلي موسى فادعوا عليهم فسألهم موسى فأنكروه فاشتبه الأمر على موسى فطلبوا من موسى أن يدعوا الله أن يبين لهم القاتل فدعا الله و أوحى إليه فقال لهم ( إن الله يأمركم ) إذا أردتم معرفة القاتل ( أن تذبحوا بقرة ) فيظهر لكم أمر القاتل ( قالوا أتتخذنا هزوا ) وقرئ هزءاً بالهمزة وبسكون الزاي مع الهمزة (قال ) موسى ( أعوذ بالله ) أعتصم ( أن أكون من الجاهلين ) الذين يسخرون بالمؤمنين ( قالوا ادع ) أسأل ( لنا ربك يبين لنا ما هي ) أي ما سنها