(1) (قوله عزل وجل آمنا بالله الخ) لما نزلت هذه الآية قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود و النصارى وقال إن الله أمرني بهذا فلما سمعت اليهود بذكر عيسى أنكروا وكفروا وقالوا لن نؤمن بعيسى وقالت النصارى عيسى ليس بمنزلة الأنبياء ولكنه ابن الله فأنزل الله قوله تعالى فإن أمنوا بمثل ما آمنتم به الآية اهـ.
(2) (قوله فسيكفيكهم الله) فكفاه الله شرهم بالقتل والسبي في قريظة و الجلاء والنفي في بني النضير والجزية والذلة في نصارى نجران ا هـ.
(فسيكفيكهم الله) ويصرف أيها النبي الكريم مناوأتهم لك ومعادتهم (وهو السميع) لما تقولونه (العليم) بما تكونونه (صبغة الله) (1) أي صبغنا الله صبغة وهي فطرته (ومن أحسن من الله صبغة) لا أحسن من صبغة الله(ونحن له عابدون) ولحكمه منقادون (قل أتحاجوننا) تجادلوننا(2) (في الله) أن اختار نبيا من العرب ونزلت حين قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء كلهم منا فلو كنت نبيا لكنت منا (وهو ربنا وربكم) فله أن يختص برسالته من يشاء منا ومنكم (ولنا أعمالنا) فنجازي عليها(ولكم أعمالكم) تجازون عليها(ونحن له مخلصون) (3) ولطاعته منقادون (أم تقولون) وقرئ بالياء ( إن إبراهيم) الخليل (وإسماعيل) الذبيح (وإسحاق ويعقوب منقادون (أم تقولون) وقرئ بالياء (إن إبراهيم) الخليل (وإشسماعيل) الذبيح (وإسحاق ويعقوب و الأسباط) أبناء يعقوب (كانوا هودا أو نصارى) بزعمكم الفاسد (قل ءأنتم أعلم أم الله) هو أعلم وقد قال تعالى ((ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا)) و هم تبعا (4) له معه(ومن أظلم) لا أحد أظلم
...................................................
(1) قوله (صبغة) أي دين الله لأن دين الإسلام يؤثر في المتدين به من الطهر و الصلاة و الوقار وسائر شعائر الإسلام كالصبغ الذي يكون في الثوب و لاشئ في الأديان أحسن من دين الإسلام ا هـ بغوى.
(2) قوله (تجادلوننا) من ذلك أن اليهود كانوا يقولون نحن أهل الكتاب الأول و العلم القديم وكانوا يقولون هم و النصارى نحن أبناء الله وأحباؤه فأمر الله نبيه بهذه الآية 1 هـ.
(3) قوله (مخلصون) أي موحدون قال صلى الله عليه وسلم ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شئ من عمله لله وقال الفضيل ترك العمل لأجل الناس رياء و العمل لأجل الناس شرك والاخلاص أن يعافيك الله منهما ا هـ.
(4) قوله (وهم تبعا الخ) كذا في الأصل وعبارة الجلال و المذكرون معه تبع له ا هـ مصححه.
(ممن كتم) وأخفى (شهادة عنده) ثابتة (من الله) وهو ما عرفوه في التوراة من حنيفية إبراهيم وصدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (وما الله بغافل) يامعشر الخاسرين(عما تعملون) من الجراءة عليه وكتمان ما تعملون وقرئ بالياء (تلك أمة) الأنباء المذكورون ومن معهم (قد خلت) سلفت (لها ما كسبت) من الخيرات عند الله ( ولكم ما كسبتم) من السيئات (ولا تسئلون عما كانوا يعملون) فكل أحد مؤاخذ بعلمه (سيقول السفهاء) (1) الجهال(من الناس) من المشركين و اليهود والمنافقين (وما ولاهم) ما الذي صرفهم (عن قبلتهم) النبي عليه الصلاة و السلام و المؤمنين (التي كانوا عليها) وهي استقبال بيت المقدس (قل لله المشرق و المغرب) يوجه عباده في التوجه حيث شاء (يهدى من يشاء) هدايته (إلي صراط) سبيل (مستقيم) يرتضيه جل شأنه
..........................................
(1) قوله (سيقول السفهاء الخ) نزلت في اليهود ومشركي مكة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركو مكة قد تردد على محمد أمره و اشتاق إلي معشر مولده و مولد آبائه وقد توجه نحو قبلتكم وهو راجع إلي دينكم عاجلا فأنزل الله تعالى قل لله المشرق و المغرب الآية أي المشرق و المغرب لله ملكا وخلقا والخلق عبيده يحولهم كيف يشاء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى بمكة إلي الكعبة وربما كان يجعل الكعبة بينه وبيت المقدس فلما هاجر إلي المدينة أمر أن يصلى إلي بيت المقدس لئلا يكذبه اليهود لأن نعته في التوراة أن يكون صاحب القبلتين يصلي إلي بيت المقدس نحوا من سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر ثم يأمره الله بالتحول إلي الكعبة ليمتحن أهل الإسلام ا هـ خازن.
(كذلك) كما هديناكم الصراط المستقيم (جعلناكم) يا أتباع هذا النبي الكريم ( أمة وسطا) خيارا عدولا مزكين(لتكونوا شهداء)لله يوم العرض عليه (على الناس) أمم الأنبياء السابقين حين ينكرون تبليغ الرسل إليهم (ويكون الرسول) محمد سيد المرسلين(عليكم شهيدا) فيزكيكم في شهادتكم (وما جعلنا) صيرنا(القبلة) المشرفة(التي كنت عليها) وذلك أنه كان يصلي إليها بمكة ثم لما هاجر أمر تألفا لليهود باستقبال الصخرة(إلا لنعلم) لنرى(من يتبع الرسول) بالرجوع إلي القبلة(ممن ينقلب على عقبيه) أي يرتد ويظن أن محمدا في حيرة(وإن كانت) التوالية إلي الكعبة(لكبيرة) عظيمة شديدة مشقة وقرئ لكبيرة بالرفع(إلا على الذين هدى الله) وقواهم على أنفسهم فخالفوها واتبعوا الحق ولما قالت اليهود للمؤمنين من مات منكم قبل التحويل إلي القبلة مات على الضلال في مقام الجدال قال الله (وما كان الله ليضيع) معشر المؤمنين (إيمانكم) (1) أي تصديقكم بالقبلة الأولى ليضيع أجركم (إن الله) العالم بحقائق العباد (بالناس) المؤمنين (لرؤف) شديد الرأفة بهم (رحيم) فلا يضيع أجرهم ولما كان التوجه إلي الكعبة أحب إليه صلى الله عليه وسلم وأقرب لدخول قومه في الإسلام قال لجريل وددت لو أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلي غيرها قال له جبريل إنما أنا عبد مثلك و أنت كريم على ربك فاسأله ثم ارتفع جبريل وجعل يديم النظر إلي السماء النبي الجميل راجيا أن يأتيه بما طلب الأمين جبريل فأنزل الملك الجليل
................................................
(1) قوله (إيمانكم) أي صلاتكم إلي بيت المقدس وذلك أن حي بن أخطب و أصحابه من اليهود قالوا للمسلمين أخبرونا عن صلاتكم إل بيت المقدس أكانت هدى أم ضلالة فإن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها فإن من مات منكم عليها مات على الضلال فانطلق عشائرهم إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك وقالوا ان الله حولك إلي قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلي بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله ليضيع ايمانكم الآية ا هـ.
(قد نرى تقلب وجهك في السماء) أي في النظر إليها (فلنولينك) فلنوجهنك(قبلة ترضاها) تريدها و تهواها (فول) وجه واصرف(وجهك) في الصلاة(شطر) نحو(المسجد الحرام) الذي أحببت التوجه إليه وهو أشرف الأرض بلاكلام (وحيثما كنتم) (1) معشر هذه الأمة (فولوا وجوهكم) في الصلاة (شطره) نحوه(وإن الذين أوتوا الكتاب) اليهود(ليعلمون) علم يقين (أنه) توجهكم إلي الكعبة (الحق) الذي لا شك فيه(من ربهم) لما وجدوه في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتحول إليه (وما الله بغافل) لعباده(عما يعملون) وقرئ بالتاء (ولئن أتيت) (2) أيها النبي الكريم(الذين أتوا الكتاب) اليهود و النصارى(بكل آية) حجة وبرهان على صدق تحولك إلي الكعبة (ما تبعوا قبلتك) لتصميمهم على التكذيب كفرا وعنادا (وما أنت بتابع قبلتهم) فلا يطعموا فيك ولييأسوا (وما بعضهم) بعض الفريقين(بتابع قبلة بعض) لأن اليهود تستقبل الصخرة و النصارى مطلع الشمس فلا يتفقون على جهة واحدة
...........................................
(1) قوله عز وجل (وحيثما كنتم) أي ببر أو بحر أو سهل أو جبل أو شرق أو غرب فولوا وجوهكم شطره فحولت القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين نزلت الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من الظهر فحولت في الصلاة فاستقبل الميزاب فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين فلما حولت إلي الكعبة قالت اليهود يا محمد ما أمرت بهذا أو ما هذا الا شئ ابتدعته من نفسك فتارة تصلى إلي قبلتنا بيت المقدس وتارة إلي الكعبة فلو ثبت إلي قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي كنا ننتظره فأنزل الله وإن الذين أتوا الكتاب الآية.
(2) قوله (وليئن أتيت الخ) يعني قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ائتنا بآية كما أتي بها الأنبياء قبلك فأنزل الله ولئن أتيت الآية ا هـ.
(ولئن اتبعت أهواءهم) الفاسدة في استقبال قبلتهم(من بعد ما جاءك من) الله من (العلم) بأن القبلة هي الكعبة (إنك إذا لمن الظالمين) وقد عصمك الله من مخالفته واتباع القوم الخاسرين(الذين آتيناهم) أعطيناهم (الكتاب) التوراة(يعرفونه) أي نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بنعته المنعوت فيها(كما يعرفون أبناءهم)بل أشد قال ابن سلام أنا أعلم به منى بابني قالوا ولم قال لأني لست أشك في محمد أنه نبي وأما ولدي فلعل والدته خانت(وإن فريقا منهم) من اليهود وهم المنكرون له صلى الله عليه وسلم (ليكتمون الحق) الثابت عندهم (وهم يعلمون) أن هذا النبي الصادق ونبوته حق (الحق من ربك) أي هذا الحق من ربك وقرئ الحق بالنصب على البدلية مما قبله(فلا تكونن) في تحقيق ذلك ( من الممترين) الشاكين(ولكل) من الأمم (وجهة) قبلة (هو موليها) مستقبلها بوجهه وقرئ مولاها (فاستبقوا) بهمة قوية (الخيرات) واعلموها من أمر القبلة وغيرها(أينما تكونوا) أي فيأي موضع تكونوا (يأت بكم الله جميعا) يجمعكم يوم القيامة ويثبت طائعكم ويعاقب عاصيكم ( إن الله على كل شئ قدير) من الإحياء والإماتة وغيرهما الملك الكبير(ومن حيث خرجت) لسفر (فول وجهك) إذا صليت (شطر) نحو (المسجد الحرام) الكعبة (وإنه) أي التوجه إليها (للحق) الثابت (من ربك) سبحانه (وما الله بغافل عما تعملون) بل محفوظ لديه وقرئ بالياء
(ومن حيث خرجت) أي من أي موضع خرجت(فول وجهك شطر المسجد الحرام) وقد أكدنا عليك ولأتباعك ذلك فلا كلام(وحيثما كنتم) من الجهات (فولوا) وجهوا(وجوهكم) في صلاتكم(شطره) نحوه(لئلا يكون) في التولي إلي غير الكعبة(للناس عليكم حجة) مجادلة فلا تبالوا قول اليهود تجحدون ديننا وتتبعون قبلتنا وقول المشركين تدعى ملة إبراهيم وتخالف قبلته(إلا الذين ظلموا) أنفسهم (منهم) بالعناد حتى أدخلوها في طرق الفساد(فلاتخشوهم) تخافوهم وتبالوا بحاججتهم(واخشوني) خافوني واجتهدوا فيما أمرتكم به(ولأتم نعمتي عليكم) بالتأييد عليهم( ولعلكم تهتدون) إلي سبيل الحق فتنصروا(كما) أنعمت عليكم بالاهتداء إلي القبلة(أرسلنا فيكم) سيد المرسلين جملة (رسولا منكم) محمدا صلى الله عليه وسلم(يتلو عليكم) لهدايتكم(آياتنا) القرآن(ويزكيكم) ويطهركم من الآثام(ويعلمكم الكتاب) ومافيه من الأحكام(و الحكمة) الأسرار الإلهية (ويعلمكم ما لم تكونوا) من قبل (تعلمون) من أنواع القربات إلي و الى الهبات(فاذكروني) (1) بأنواع الأذكار (أذكركم) في حضرتي وأجازكم بما ليس له انحصار وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملء ذكرته في ملء خير منهم (واشكروا لي) على ما أوليتكم ( و لا تكفرون) فتجحدوا نعمتي
.........................................
(1) (قوله فاذكروني) أي اذكروني بلا غفلة أذكركم بلا مهلة اذكروني بالندم أذكركم بالكرم اذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة اذكروني بالإخلاص أذكركم بالاختصاص اذكروني بالقلوب أذكركم بكشف الكروب اذكروني بلا نسيان أذكركم بالأمان اذكروني ذكرا فانيا أذكركم ذكرا ياقيا اذكروني بصفاء السر أذكركم بخالص البر اذكروني بالصفو أذكركم بالعفو اذكروني بالتعظيم أذكركم بالتكريم اذكروني بالمناجاة أذكركم بالنجاة اذكروني بترك الجفاء أذكركم بحفظ الوفاء اذكروني بالجهد في الخدمة أذكركم بالنعمة ولذكر الله أكبر ا هـ.