وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)
ولما ظهروا لجالوت وجنوده- ورأوا الخطر رأي العين- فزعوا إلى الله بالدعاء والضراعة قائلين: ربنا أنزل على قلوبنا صبرًا عظيمًا- وثبت أقدامنا- واجعلها راسخة في قتال العدو- لا تفر مِن هول الحرب- وانصرنا بعونك وتأييدك على القوم الكافرين.
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
فهزموهم بإذن الله- وقتل داود -عليه السلام- جالوتَ قائدَ الجبابرة- وأعطى الله عز وجل داود بعد ذلك الملك والنبوة في بني إسرائيل- وعَلَّمه مما يشاء من العلوم. ولولا أن يدفع الله ببعض الناس -وهم أهل الطاعة له والإيمان به- بعضًا- وهم أهل المعصية لله والشرك به- لفسدت الأرض بغلبة الكفر- وتمكُّن الطغيان- وأهل المعاصي- ولكن الله ذو فضل على المخلوقين جميعًا.
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (252)
تلك حجج الله وبراهينه- نقصُّها عليك -أيها النبي- بالصدق- وإنك لمن المرسلين الصادقين.
الجزء الثالث
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)
هؤلاء الرسل الكرام فضَّل الله بعضهم على بعض- بحسب ما منَّ الله به عليهم: فمنهم مَن كلمه الله كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام- وفي هذا إثبات صفة الكلام لله عز وجل على الوجه اللائق بجلاله- ومنهم مَن رفعه الله درجاتٍ عاليةً كمحمد صلى الله عليه وسلم- بعموم رسالته- وختم النبوة به- وتفضيل أمته على جميع الأمم- وغير ذلك. وآتى الله تعالى عيسى ابن مريم عليه السلام البينات المعجزات الباهرات- كإبراء مَن ولد أعمى بإذن الله تعالى- ومَن به برص بإذن الله- وكإحيائه الموتى بإذن الله- وأيده بجبريل عليه السلام. ولو شاء الله ألا يقتتل الذين جاؤوا مِن بعد هؤلاء الرسل مِن بعد ما جاءتهم البينات ما اقتتلوا- ولكن وقع الاختلاف بينهم: فمنهم مَن ثبت على إيمانه- ومنهم مَن أصر على كفره. ولو شاء الله بعد ما وقع الاختلاف بينهم- الموجب للاقتتال- ما اقتتلوا- ولكن الله يوفق مَن يشاء لطاعته والإيمان به- ويخذل مَن يشاء- فيعصيه ويكفر به، فهو يفعل ما يشاء ويختار.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌوَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ (254)
يا من آمنتم بالله وصدَّقتم رسوله وعملتم بهديه أخرجوا الزكاة المفروضة- وتصدَّقوا مما أعطاكم الله قبل مجيء يوم القيامة حين لا بيع فيكون ربح- ولا مال تفتدون به أنفسكم مِن عذاب الله- ولا صداقة صديق تُنقذكم- ولا شافع يملك تخفيف العذاب عنكم. والكافرون هم الظالمون المتجاوزون حدود الله.
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَاالَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَاشَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)
الله الذي لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو- الحيُّ الذي له جميع معاني الحياة الكاملة كما يليق بجلاله- القائم على كل شيء- لا تأخذه سِنَة أي: نعاس- ولا نوم- كل ما في السموات وما في الأرض ملك له- ولا يتجاسر أحد أن يشفع عنده إلا بإذنه- محيط علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها- يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبلة- وما خلفهم من الأمور الماضية- ولا يَطَّلعُ أحد من الخلق على شيء من علمه إلا بما أعلمه الله وأطلعه عليه. وسع كرسيه السموات والأرض- والكرسي: هو موضع قدمي الرب -جل جلاله- ولا يعلم كيفيته إلا الله سبحانه- ولا يثقله سبحانه حفظهما- وهو العلي بذاته وصفاته على جميع مخلوقاته- الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء. وهذه الآية أعظم آية في القرآن- وتسمى: (آية الكرسي).