الوصية السابعة
(وأوفوا الكيل والميزان بالقسط)
(أوفوا الكيل) إذا كلتم لأحد فأوفوا الكيل، إذا وزنتم لأحد فأوفوا الوزن
يمكن أن نقول: إن هذا من باب ضرب المثل وإن المراد بإيفاء الكيل والميزان إيفاء الحقوق كلها
يعني إذا كان عليكم حقوق فأوفوا الحقوق.
إن كانت كيلاً فأوفوا الكيل وإن كانت وزناً فأوفوا الوزن.
ولكننا نجد كثيراً من الناس على خلاف هذه الحال إذا كان الشيء عليهم فرطوا فيه وإذا كان الشيء لهم أفرطوا فيه
وأضرب لهذا مثلين:-
المثل الأول: بعض الناس يكون عليه الطلب، الدين، فيماطل مع قدرته على الوفاء.
يأتيه صاحب الحق يا فلان أعطني حقي، يقول : غداً ، أعطني، بعد غد ولا سيما إذا كان الحق للدولة فإن كثيراً من الناس يتهاون به وذلك في مثل وفاء صندوق التنمية العقارية، لأننا نسمع أن كثيراً من الناس عندهم ما يوفون به الصندوق ولكن يماطلون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مطل الغني ظلم" أي القادر على الوفاء.
والظلم ظلمات يوم القيامة، إذاً هذا المطلوب الذي يماطل نقول : لم يوف الكيل لأنه لم يوف صاحب الحق حقه.
المثال الثاني: عكس ذلك إذا كان للإنسان حق أراد أن يستوفيه كاملاً حتى إنه إذا كان له غريم فقير قال إما أن توفيني وإما أن أرفعك إلى الجهات المسؤولة فتحبس. فيضطر هذا الفقير المدين إلى أن يذهب ويتدين فيتضاعف عليه الدين أضعافاً مضاعفة.
مثال آخر:-
هؤلاء الكفلاء الذين استقدموا العمال، يريدون من العامل أن يقوم بالعمل كاملاً ولكنهم لا يوفون العامل أجرة عمله، حتى إن بعض العمال يتقدم يشكو يقول: أنا لي ثلاثة، أربعة أشهر عند كفيلي ما أعطاني شيئاً، وهذا ظلم وجور،
بل قد قال الرسول عليه الصلاة والسلام:
" قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه حقه "
هؤلاء الذين يتعاملون مع الناس هذه المعاملة إذا كان الحق لهم أخذوا به كاملاً، وإذا كان الحق عليهم فرطوا فيه.
استمعوا إلى جزائهم يوم القيامة، قال الله تعالى: (ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم . يوم يقوم الناس لرب العالمين)[ سورة المطففين، الآيات : 1-6].
ومن ذلك أيضاً أن بعض الأزواج يريد من الزوجة أن تقوم بحقه كاملاً ولكنه يماطلها بحقها تجده يريد أن تقوم بكل خدمة البيت على الوجه الأكمل ولكنه لا يعطيها حقها من النفقة حتى الإنفاق الواجب عليه لا يقوم به،
وهذا يدخل في المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون وفي هذه الحال يجوز للمرأة إذا امتنع زوجها من إعطائها النفقة الكافية يجوز أن تأخذ من ماله بلا علمه،
هكذا أفتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإن هند بنت عتبة جاءت تشكو زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت إنه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني، وولدي بالمعروف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك"
لأنه حق لها فإذا بخل به فلها أن تأخذ من ماله بلا علمه كما أن من النساء من تكون بالعكس تريد من زوجها أن يقوم بحقها كاملاً ولكنها هي تنقصه حقه. هؤلاء داخلون في هذه الآية بالقياس الجلي الواضح.
(لا نكلف نفساً إلا وسعها) [ سورة الأنعام، الآية : 152].
ما أحسن هذه الجملة بعد الأمر بإيفاء الكيل والميزان بالقسط.
الإنسان يجب عليه أن يوفي الكيل والميزان بالقسط،
لكن ربما يكون هناك تقصير لم يحط به فهل يأثم على ذلك؟
لا،
ولهذا قال : (لا نكلف نفساً إلا وسعها)
وهذه القاعدة ذكرها الله في عدة آيات فقال تعالى في سورة البقرة:
(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) . [سورة البقرة، الآية : 286].
وقال تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلا وسعها). [ سورة الأعراف، الآية: 42].
وهذا من كرم الله عز وجل أن الإنسان لا يكلف من دين الله إلا ما يطيق، وهو داخل في عموم قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الدين يسر"
وقوله صلى الله عليه وسلم وهو يبعث البعوث فقد بعث أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن وقال : يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا "،
فالله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها في جميع الأوامر فما لم تستطع فانتقل إلى بدله إن كان له بدل وإذا عجزت عن البدل سقط عنك
واستمعوا إلى القصة التي وقعت من رجل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال : يا رسول الله هلكت، قال ما أهلكك؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فسأله النبي عليه الصلاة والسلام هل تجد رقبة؟ قال : لا ، قال : هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال : لا، قال :
هل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟ قال : لا،
ثم جلس الرجل فجيء بتمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خذ هذا فتصدق به، قال الرجل : أعلى أفقر مني يا رسول الله، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:أطعمه أهلك " .
فأسقط عنه الكفارة بعجزه عنها مع أنها كفارة، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.