الوصية الثالثة
(ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم)
الإملاق: يعني الفقر
و( من ) هنا سببية أي بسبب الإملاق
يعني لا تقتلوا أولادكم بسبب الفقر، (نحن نرزقكم وإياهم )،
(وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) [ سورة هود، الآية: 6]
هل أحد يقتل أولاده؟ لا
لكن الجاهلية العمياء كانت تجعل الجاهلين يقتلون أولادهم وقتل الجاهلين لأولادهم له سببان: -
السبب الأول: ما ذكره الله هنا وهو الإملاق أي الفقر.
السبب الثاني: العار.
أما الأول الذي سببه الفقر فكانوا يقتلون الذكور والإناث: إذا جاءه ولد وهو فقير قال : هذا سيثقل كاهلي في الإنفاق فيقتله والعياذ بالله، أما الآخر الذي سببه العار فهؤلاء يقتلون الإناث دون الذكور.
(وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم . يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) [ سورة النحل، الآيتان:58- 59].
يقول الله عز وجل:لا تقتلوا أولادكم من الفقر.
إذاً يبقون ولو كان الأب فقيراً لأن رزقهم على الله عز وجل
(وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) .
فإن قتل ولده فهل يقتل؟ لو أن رجلاً فقيراً جاءه ولد ذكر أو أنثى فقتله لأنه لا يجد ما ينفق عليه فهل يقتل الأب أو لا يقتل؟
قال بعض أهل العلم : إنه يقتل إذا علمنا أنه تعمد القتل يقتل لعموم قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى)(البقرة 178].
وقوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها) أي على بني إسرائيل في التوراة، (أن النفس بالنفس)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة "
قالوا : ولأن الرجل إذا قتل ولده جمع بين عدوانين : عدوان القطيعة وعدوان القتل فيقتل
وهذا مذهب الإمام مالك رحمه الله.
لكن أكثر أهل العلم يقولون: إن الوالد إذا قتل ولده لا يقتل، واستدلوا بحديث مشهور عند أهل العلم ( لا يقتل والد بولده )
ولكن هذا الحديث ضعفه كثير من العلماء وقالوا أيضاً : إن الوالد سبب وجود الولد فلا ينبغي أن يكون الولد سبباً في إعدامه
ولكن لا شك أن هذه العلة عليلة وذلك أن الأب سبب في وجود الولد لا شك لكن سبب قتله هو عدوان الأب وليس وجود الابن حتى نقول : كيف يكون وجوده سبباً في إعدام من أوجده أو من كان سبباً في وجوده،
على كل حال هذه المسألة موضع ذكرها ومناقشتها كتب الفقه لكن ذكرت عرضاً عند حديثنا عن قوله تعالى:
(ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم).
وهنا نقف لننظر الفرق بين هذه الآية وبين آية الإسراء
(ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) [ الإسراء : 31].
لماذا قدم الوالدين في سورة الأنعام وقدم الأولاد في سورة الإسراء
ما هي الحكمة؟
يجب أن نعلم أن التعبير القرآني لابد أن يكون فيه حكمة لا يمكن أن يختلف التعبير إلا لسبب،
في سورة الأنعام قال: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) إذاً فالفقر موجود فبدأ برزق الفقراء فقال : نحن نرزقكم.
وفي سورة الإسراء الفقر غير موجود لكنه متخوف (خشية إملاق) فبدأ بذكر المحتاجين وهم الأولاد وهذا من بلاغة القرآن.