(ومايشعرون ) أي ما يحسون بذلك لتماديهم على الغفلة (في قلوبهم مرض ) شك و نفاق (فزادهم الله مرضا ) فشكوا في القرآن كما شكوا في الذي قبله (ولهم ) بسبب كفرهم (عذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكذبون ) حيث قالوا آمنا وقرئ يكذبون مشددا أي يكذبون الرسول فيما جاء به (وإذا قيل لهم ) أي للمنافقين ( لا تفسدوا في الأرض ) بمخادعة المسلمين و موالاة الكفار (قالوا ) المنافقون (إنما نحن ) في سعينا (مصلحون ) ليس سعينا سعي فساد بل صلاح ( ألا إنهم ) هذا رد من الله عليهم (هم المفسدون ) في الأرض (ولكن لا يشعرون ) بأنهم مفسدون ( و إذ قيل لهم ) للمنافقين (آمنوا ) ظاهرا و باطنا (كما آمن الناس ) الصحابة (قالوا ) جوابا لذلك (انؤمن ) أنفعل (كما آمن ) كما فعل (السفهاء ) وتسفيهم لهم لأعتقادهم فساد رأيهم وتحقير شأنهم فإن كثيرا من المؤمنين كانوا فقراء (ألا إنهم ) هذا رد من الله عليهم (هم السفهاء ) الجهلاء بما ينفعهم ( ولكن لا يعلمون ) لا يشعرون بسفهاتهم التي أوجبت لهم فساد دنياهم و آخرتهم (و إذا لقوا ) المنافقون ( الذين آمنوا ) ظاهرا و باطنا (قالوا ) لهم (آمنا ) و ذلك حين اجتماعهم معهم (وإذا خلوا) من المؤمنين وعادوا (إلي شياطينهم ) كبرائهم من الكفار (قالوا إنا معكم ) في الإعتقاد (إنما نحن ) فيما ترونه منا (مستزءون ) مظهرون خلاف ما نبطن (الله يستهزئ بهم ) يجازيهم على استهزائهم (و يمدهم ) بأن يمهلهم و يقويهم وهم (في طغيانهم ) تعديهم الحدود (يعمهون ) يترددون متحيرين (أولئك الذين اشتروا ) استبدلوا (الضلالة ) طريق الغواية (بالهدى) بالسبيل المستقيم واختاروها عليه (فما ربحت تجارتهم ) بل خسرت
وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
(وإن كنتم في ريب ) أي شك (مما نزلنا ) لهدايتكم وبيان وحدانيتنا وظهور صدق نبينا محمد وأوردناه (على عبدنا ) المستكمل لمقام العبودية التي هي أشرف المقامات (فأتوا بسورة من مثله ) أي من مثل هذا القرآن في حسن النظم وبلاغته و إعجازه عن المغيبات وطلاوته (وادعوا شهداءكم ) أي استعينوا بأصنامكم التي كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها (إن كنتم صادقين ) في أن القرآن ليس بكلام الله وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء به من تلقاء نفسه (فإن لم تفعلوا ) ما ذكرنا (ولن تفعلوا ) ولن تستطيعوا ذلك فإنه ليس في وسع مخلوق لأنه كلام الحق (فاتقوا ) احذروا (النار التي وقودها الناس ) أي الذي يوقد بها هو الناس ( و الحجارة ) أي الذهب و الفضة اللذان كانوا يكنزونهما و يشتغلون بهما عن الله (أعدت ) هيئت (للكافرين ) الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله و كتابه (وبشر ) أيها المصطفى الكريم وقرئ وبشر على البناء للمفعول (الذين آمنوا ) بالله ورسوله وكتابه (وعملوا الصالحات ) واجتهدوا في الطاعات ( أن لهم جنات ) حدائق محتوية على حور و قصور (تجري من تحتها ) أي من تحت الأشجار (الأنهار ) المحتوية على أنواع الشراب اللطيفة (كلما رزقوا منها) الضمير للجنة ( من ثمرة رزقا ) من أنواع الطعام اللطيفة (قالوا هذا ) مثل ( الذي رزقنا من قبل ) في الدنيا ( وأتوا به ) الضمير للرزق ( متشابها ) أي مشابها لطعام الدنيا في اللون و الصورة و الاسم و أما الطعم واللذة فبعيد وفي الحديث مرفوعا ليس في الجنة شئ لها في الدنيا إلا الأسماء أخرجه في الجامع الصغير (ولهم ) أي للمؤمنين العاملين الصالحات(فيها) الضمير للجنات (ازواج مطهرة ) من القذر والدرن والحيض وسوء الخلق وكل ما هو مستقبح في نساء الدنيا (وهم ) المؤمنون (فيها ) في الجنات (خالدون ) دائمون لا يخرجون منها (إن الله لا يستحي ) لايترك (أن يضرب ) لعباده (مثلا ) وقرئ مثل (ما بعوضة ) أي بالبعوضة فما فوقها ) أكبر منها مثل الذباب و العنكبوت ( فأما الذين آمنوا ) وفكروا في حقائق الأمور (فيعلمون أنه ) أي ضرب المثل ( الحق من ربهم ) الذي لا يسوغ إنكاره ( وما الذين كفروا ) ولم يكن فيهم أهلية أن يعلموا حقائق الأمور ( فيقولون ) منكرين لذلك (ماذا ) ما الذي ( أراد الله بهذا مثلا ) أي فائدة في ضرب المثل به فأجابهم الله فقال ( ويضل به ) أي المثل ( كثيرا ) من العباد ( ويهدي به ) إلي الحق (كثيرا ) منهم فيصدقون ويؤمنون ( وما يضل به ) عن سبيل هدايته ( إلا الفاسقين ) الكافرين الخارجين عن حوطة الإيمان وقرئ يضل على البناء للمفعول والفاسقون بالرفع (الذين ينقضون ) يفسدون ويخربون ويفسخون (عهد الله ) الذي عهده إليهم في الكتب المتقدمة بأن يؤمنوا بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم (من بعد ميثاقه ) و تأكيده عليهم في إجابة ذلك ( ويقطعون ) جراءة على الله ( ما أمر الله به ) عباده (أن يوصل ) كالرحم ومحاببة المؤمن وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم الرحم شجنة من الرحمن قال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته رواه البخاري ( ويفسدون ) بمنع العباد عن الإسلام ( في الأرض ) وسلوك سبل الهدى ( أولئك هم الخاسرون ) الذين خسروا أنفسهم بإدخالها النار
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
(كيف تكفرون ) معشر الخاسرون (بالله) المنفرد بالألوهية ( وكنتم أمواتا ) من نطفة ومضغة (فأحياكم ) بنفخ الأرواح فيكم (ثم يميتكم ) حين تنتهي آجالكم ( ثم يحييكم ) بعد الموت (ثم إليه ترجعون ) تردون فيجازيكم على ما عملتم (هو) الله (الذي خلق لكم ) أي لأجلكم ( مافي الأرض جميعا ) تنتفعون به وكذا تعتبرون (ثم استوى ) قصد بارادته (إلي السماءليسويها (فسواهن ) على أحسن أتقان (سبع سموات ) معتدلات ( وهو بكل شيء عليم ) فيحكم صنعته ( ولإذ قال ربك ) أيها النبي العظيم (للملائكة ) الكرام (إني جاعل في الأرض خليفة ) المراد به آدم وفي الآية تعليم المشاورة ( قالوا ) الملائكة ( أتجعل فيها ) الضمير للأرض ( ما يفسد فيها )لا لأن طبع البشر يقتضي الإصلاح و الافساد ( ويسفك الدماء) وذلك من أكبر الفسغاد ( ونحن نسبح ) ملتبسين (بحمدك ) قائلين سبحان الله وبحمده ( ونقدس لك ) وننزه جنابك العظيم عما لا يليق به (قال ) الحق لهم (إني ) وقرئ بفتح الياء (أعلم ) من صلاحه للخلائق (ما لاتعلمون ) أنتم به ( وعلم آدم ) وذلك حين قال الملائكة لن يخلق ربنا خلقا أعلم منا ( الأسماء كلها ) بأن نفث في روعه علم الأسماء كلها حتى القصعة و القصيعة ( ثم عرضهم ) أي عرض المسميات بالأسماء وقرئ عرضهن وعرضها
يتبع
:
:
: