(كذلك) كما هديناكم الصراط المستقيم (جعلناكم) يا أتباع هذا النبي الكريم ( أمة وسطا) خيارا عدولا مزكين(لتكونوا شهداء)لله يوم العرض عليه (على الناس) أمم الأنبياء السابقين حين ينكرون تبليغ الرسل إليهم (ويكون الرسول) محمد سيد المرسلين(عليكم شهيدا) فيزكيكم في شهادتكم (وما جعلنا) صيرنا(القبلة) المشرفة(التي كنت عليها) وذلك أنه كان يصلي إليها بمكة ثم لما هاجر أمر تألفا لليهود باستقبال الصخرة(إلا لنعلم) لنرى(من يتبع الرسول) بالرجوع إلي القبلة(ممن ينقلب على عقبيه) أي يرتد ويظن أن محمدا في حيرة(وإن كانت) التوالية إلي الكعبة(لكبيرة) عظيمة شديدة مشقة وقرئ لكبيرة بالرفع(إلا على الذين هدى الله) وقواهم على أنفسهم فخالفوها واتبعوا الحق ولما قالت اليهود للمؤمنين من مات منكم قبل التحويل إلي القبلة مات على الضلال في مقام الجدال قال الله (وما كان الله ليضيع) معشر المؤمنين (إيمانكم) (1) أي تصديقكم بالقبلة الأولى ليضيع أجركم (إن الله) العالم بحقائق العباد (بالناس) المؤمنين (لرؤف) شديد الرأفة بهم (رحيم) فلا يضيع أجرهم ولما كان التوجه إلي الكعبة أحب إليه صلى الله عليه وسلم وأقرب لدخول قومه في الإسلام قال لجريل وددت لو أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلي غيرها قال له جبريل إنما أنا عبد مثلك و أنت كريم على ربك فاسأله ثم ارتفع جبريل وجعل يديم النظر إلي السماء النبي الجميل راجيا أن يأتيه بما طلب الأمين جبريل فأنزل الملك الجليل
................................................
(1) قوله (إيمانكم) أي صلاتكم إلي بيت المقدس وذلك أن حي بن أخطب و أصحابه من اليهود قالوا للمسلمين أخبرونا عن صلاتكم إل بيت المقدس أكانت هدى أم ضلالة فإن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها فإن من مات منكم عليها مات على الضلال فانطلق عشائرهم إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك وقالوا ان الله حولك إلي قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلي بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله ليضيع ايمانكم الآية ا هـ.
(قد نرى تقلب وجهك في السماء) أي في النظر إليها (فلنولينك) فلنوجهنك(قبلة ترضاها) تريدها و تهواها (فول) وجه واصرف(وجهك) في الصلاة(شطر) نحو(المسجد الحرام) الذي أحببت التوجه إليه وهو أشرف الأرض بلاكلام (وحيثما كنتم) (1) معشر هذه الأمة (فولوا وجوهكم) في الصلاة (شطره) نحوه(وإن الذين أوتوا الكتاب) اليهود(ليعلمون) علم يقين (أنه) توجهكم إلي الكعبة (الحق) الذي لا شك فيه(من ربهم) لما وجدوه في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتحول إليه (وما الله بغافل) لعباده(عما يعملون) وقرئ بالتاء (ولئن أتيت) (2) أيها النبي الكريم(الذين أتوا الكتاب) اليهود و النصارى(بكل آية) حجة وبرهان على صدق تحولك إلي الكعبة (ما تبعوا قبلتك) لتصميمهم على التكذيب كفرا وعنادا (وما أنت بتابع قبلتهم) فلا يطعموا فيك ولييأسوا (وما بعضهم) بعض الفريقين(بتابع قبلة بعض) لأن اليهود تستقبل الصخرة و النصارى مطلع الشمس فلا يتفقون على جهة واحدة
...........................................
(1) قوله عز وجل (وحيثما كنتم) أي ببر أو بحر أو سهل أو جبل أو شرق أو غرب فولوا وجوهكم شطره فحولت القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين نزلت الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من الظهر فحولت في الصلاة فاستقبل الميزاب فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين فلما حولت إلي الكعبة قالت اليهود يا محمد ما أمرت بهذا أو ما هذا الا شئ ابتدعته من نفسك فتارة تصلى إلي قبلتنا بيت المقدس وتارة إلي الكعبة فلو ثبت إلي قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي كنا ننتظره فأنزل الله وإن الذين أتوا الكتاب الآية.
(2) قوله (وليئن أتيت الخ) يعني قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ائتنا بآية كما أتي بها الأنبياء قبلك فأنزل الله ولئن أتيت الآية ا هـ.
(ولئن اتبعت أهواءهم) الفاسدة في استقبال قبلتهم(من بعد ما جاءك من) الله من (العلم) بأن القبلة هي الكعبة (إنك إذا لمن الظالمين) وقد عصمك الله من مخالفته واتباع القوم الخاسرين(الذين آتيناهم) أعطيناهم (الكتاب) التوراة(يعرفونه) أي نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بنعته المنعوت فيها(كما يعرفون أبناءهم)بل أشد قال ابن سلام أنا أعلم به منى بابني قالوا ولم قال لأني لست أشك في محمد أنه نبي وأما ولدي فلعل والدته خانت(وإن فريقا منهم) من اليهود وهم المنكرون له صلى الله عليه وسلم (ليكتمون الحق) الثابت عندهم (وهم يعلمون) أن هذا النبي الصادق ونبوته حق (الحق من ربك) أي هذا الحق من ربك وقرئ الحق بالنصب على البدلية مما قبله(فلا تكونن) في تحقيق ذلك ( من الممترين) الشاكين(ولكل) من الأمم (وجهة) قبلة (هو موليها) مستقبلها بوجهه وقرئ مولاها (فاستبقوا) بهمة قوية (الخيرات) واعلموها من أمر القبلة وغيرها(أينما تكونوا) أي فيأي موضع تكونوا (يأت بكم الله جميعا) يجمعكم يوم القيامة ويثبت طائعكم ويعاقب عاصيكم ( إن الله على كل شئ قدير) من الإحياء والإماتة وغيرهما الملك الكبير(ومن حيث خرجت) لسفر (فول وجهك) إذا صليت (شطر) نحو (المسجد الحرام) الكعبة (وإنه) أي التوجه إليها (للحق) الثابت (من ربك) سبحانه (وما الله بغافل عما تعملون) بل محفوظ لديه وقرئ بالياء