ألحضانة شرعًا: هي حفظ الصغير ورعايته والقيام علي تربيته. فالطفل في سنواته الأولي يحتاج إلي من يقوم بشئونه، ويعتني به، ويسهر علي تربيته ؛ وذلك لعدم استطاعته القيام بنفسه بما يحتاج إليه في حياته الأولي، ومن ثم، لزم أن يكون هناك من يتولي حضانته.
حق الحضانة: الأصل في الرعاية والحضانة أنها مشتركة بين اثنين:الرجل وزوجه، وما من عمل اشترك في أدائه اثنان، كل منهما يرجو نجاحه، إلا كتب له النجاح. ولكن قد تعترض الحياة الزوجية أمور تؤدي إلي الانفصال، فلا يمكن للصغير إلا أن يكون مع أحد أبويه، وهنا تكون الأم أولي بحضانته ؛ لأن المرأة أقدر علي تربية الطفل، وأدري بما يلزمه، وأكثر شفقة عليه، لكن النساء لسن في مرتبة متساوية في مقدرتهن علي حضانة الصغير، لذا فإن بعضهن أحق بها من بعض ؛ بسبب التفاوت فيما يملكن من شفقة وحنان وصبر علي التربية والدراية بفنونها وأساليبها.
وقد وكل الإسلام القيام علي أمر تربية الصغير إلي أمه؛ لأنها ترضع، والصغير يحتاج إلي الرضاعة، ولأنها أكثر صبرًا علي مجاراة الصغير في طلباته الكثيرة وحاجاته العديدة، ولأنها تملك من الوقت الذي تستطيع أن تتفرغ فيه لرعاية الصغير، ما لا يملكه الزوج، ثم إنها بطبيعتها وما جُبلت عليه ستكون أكثر حنانًا، وأشد حبًا وارتباطًا بالصغير من الرجل.
وقد أتت امرأة إلي النبي ( فقالت له: يارسول الله؛ إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء (أي حملته بطني، وضمه صدري، وسقاه ثدياي) وزعم أبوه أن ينزعه مني، فقال لها رسول الله (: (أنت أحق به مالم تنكحي) [أحمد، وأبو داود، والبيهقي].
فالطفل بطبيعته يقبل علي أمه للغذاء والرعاية أكثر من أبيه الذي لا يحقق له مباشرة حاجاته الغريزية، مع قدرتها علي العطف في مرحلة يكون الحنان فيها غذاء لا يقل عن أي غذاء ؛ لذلك فقد قرر الفقهاء أن حضانة الطفل تقتضي أن يظل في حضانة أمه سبع سنين، وأن تظل البنت في حضانتها تسع سنوات.
وتري التربية الإسلامية أن حرمان الطفل من أمه والتفريق بينهما، من العوامل التي تؤثر عليه تأثيرًا سلبيَّا خلال السنوات الأولي من حياته، بل إن الإسلام قد حرم التفريق بين الولد وأمه صغيرًا كان أو كبيرًا، من غير ضرورة تقتضي التفريق بينهما ؛ فعن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله ( يقول: (من فرق بين الوالدة وولدها؛ فرق الله بينه وبين أَحِبَّتِه يوم القيامة) [الترمذي وأحمد والحاكم].
والشرع الحنيف حين أعطي حق الحضانة للأم، لأنه يعلم جيدًا أن المرأة إذا استقامت فطرتها، وحسنت سيرتها، وصلح دينها، لم تمنع شيئًا لديها أن تعطيه لصغيرها ؛ كي ينمو سليم البدن والعقل والروح؛ فإنما صلاح الدين والدنيا بالأصِحَّاء الأقوياء، وقد جاء في الحديث الصحيح: (المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير) [مسلم].
وهكذا نري أن الإسلام قد جعل حق الحضانة مشتركًا بين الصغير وأمه، وحق الصغير مقدم علي حق أمه؛ لأنها يمكنها التخلي عنه، ولا يمكنه ذلك، لذا، فالشرع قد يجبر الأم أحيانًا علي الحضانة إذا أبتها، ولم يكن بها موانع تمنعها من ذلك.
شروط الحاضن:
(1) الإسلام: فلا حضانة لغير المسلمة ؛ لأن الحضانة ارتباط بين الصغير وحاضنته، وهي في الأصل ولاية علي الصغير، والله - تعالي - لم يجعل للكافر حقَّا في الولاية علي مسلم، ولو كان صغيرًا {ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلاً} [النساء: 141].
(2)عدم الزواج: لأن الحضانة تقتضي وضع الصغير في مناخ يشعر فيه بالمحبة والتفرغ له، فإذا تزوجت الأم تغير ذلك المناخ، فوجب انتقال الحضانة من الأم إلي امرأة أخري غيرها، هذا مالم تكن الأم قد تزوجت أحدًا من محارم الصغير وأقاربه ؛ فإن الحضانة تصح مظنة أن يعطف عليه ويحبه.
(3) الأمانة والخلق وحسن السيرة: فالمرأة الفاحشة المتفحشة غير مأمونة علي تربية الصغار، وكيف تؤمن علي صغير امرأة غير مأمونة علي نفسها ؟!
(4) العلم بأصول التربية مع القدرة عليها: فكيف يُترك الصغير لأم جاهلة بكيفية رعايته، وتلبية احتىاجاته، وحسن تنشئته، وصلاح عقله ونفسه ؟! أم كيف يُترَك الصغير لامرأة لا تقوي علي أمره ؛ كفيفة أو مريضة أو قعيدة مشلولة، أو غيرهن ممن يحتجن في أنفسهن إلي من يرعاهن ويقوم علي أمرهن.
(5) السلامة من الأمراض النفسية والعقلية أو الأمراض المعدية: فالمرأة التي تعاني من مرض نفسي أو عقلي - وإن كان ينتابها بعض الوقت - أو التي تعاني مرضًا معديًا، أو التي تعيش في مكان تنتشر فيه الأمراض المعدية، لا تصلح لرعاية الطفل الصغير.
(6) البلوغ: فغير البالغة قليلة الخبرة والدراية، وتحتاج هي إلي من يقوم علي أمرها ويوجهها، فكيف ترعي شئون غيرها؟!
(7) التفرغ لحضانة الصغير: إذ هو الأصل والعلة الأولي التي جعلت للأم حق الحضانة . وكل عمل تقوم به الأم، أو أي نشاط تمارسه - إلا إذا كانت مضطرة إلي ذلك - يكون من شأنه أن يقلل من عطائها لأبنائها واهتمامها بهم، فهو عمل أو نشاط غير مقبول ؛ لما يترتب عليه من حرمان الطفل حقه في الحب والرعاية، ومن مخالفة لفطرة المرأة ورسالتها التي جُبِلت عليها .
دور الحضانة: الأصل أن تظل المرأة في البيت مشغولة بشئون أسرتها وبيتها، وإذا كان لابد من عمل خارج البيت، فلا بد أن يكون هذا العمل صالحًا. وعمل الأم لا يعطيها وقتًا كافيًا لتربية طفلها؛ لذلك فهي تلجأ إلي وسيلة أخري لرعايته، فتأتي بجليسة طفل (مربية)، أو تتركه عند الجدة - إن وجدت- أو لدي إحدي دور الحضانة .
ولما كان هناك الكثير من العوامل المعوقة للأسرة في رعاية أبنائه، مثل: خروج المرأة إلي العمل ؛ فقد أصبحت دور الحضانة ضرورة من ضرورات الحياة الجديدة في المجتمع الحديث، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أنه مهما بلغت أوجه الرعاية التي تقدمها دور الحضانة، فهي لا تخرج عن كونها عوامل مساعدة للأم علي القيام بمسئولية التربية،،وليس الغرض منها أبدًا أن تحل محلها، أو تحمل عنها المسئولية.
الطفل ودخول الحضانة :
قبل ذهاب الطفل إلي الحضانة بمدة كافية، يجب علي الأم أن تهيئ طفلها للذهاب إليها، وتعده نفسيًّا لذلك، وتمدح أمامه بقدر الإمكان دار الحضانة التي سيذهب إليها ؛ كي يحبها ويقبل عليها دون خوف، بل وتحاول أن تذهب معه، خصوصًا في الأيام الأولي لدخوله دار الحضانة، وتشعره بالثقة والطمأنينة، وأنه في طريقه لقضاء وقت سعيد مع أطفال آخرين من نفس سنه.
وكثيرًا ما يرفض الطفل -رغم كل هذه الإغراءات- الذهاب إلي الحضانة، وفي هذه الحالة يجب ألا تستعمل الأم القسوة مع طفلها، أو ترغمه علي الذهاب إلي دور الحضانة، ولكن عليها أن تعاود التجربة مرة ثانية، ويمكنها التغلب علي هذه المشكلة بالتدريج، وذلك بأن تترك طفلها يذهب إلي دار الحضانة مع أحد الأطفال الأكبر سنّا، والذين التحقوا بها قبله. ولإدخال السرور علي نفس طفلها تعطيه صندوقًا صغيرًا مغلقًا، وتضع له فيه مفاجأة سارة، وتطلب منه أن لا يفتحه إلا بعد وصوله هناك.
وقد تتساءل إحدى الأمهات: إنني أقوم بكل هذه الأشياء، وعلي الرغم من ذلك يظل طفلي عنيدًا، ويرفض الذهاب إلي دار الحضانة، بل وتزداد حالته سوءًا، وقد يصل به الأمر إلي نوع من العصبية الزائدة، والخوف المستمر ليلا، إلي جانب اعتلال صحته، وعدم رغبته في تناول الطعام، أو الارتفاع المستمر في درجة حرارته وما شابه ذلك.
في هذه الحالة تنصح الأم بإرجاء موضوع إدخال طفلها إلي دار الحضانة لفترة، ثم محاولة إدخاله الحضانة المرة تلو الأخرى، تحاول أثناءها معرفة الأسباب التي تؤدي إلي إصرار الطفل ورفضه دخول دار الحضانة، وتعمل علي أن يختلط طفلها شيئًا فشيئًا بعدد من الأطفال الصغار؛ حتى يتعود علي جو دار الحضانة فيما بعد، وكذلك يجب استشارة أخصائي نفسي، ليرشدها إلي العلاج الصحيح لهذه المشكلة.
ولا ينتهي دور الأم بدخول طفلها الحضانة، بل عليها متابعته، فإذا كان يتناول طعامه في دار الحضانة، فعليها أن تعتني به من حيث احتوائه علي العناصر الغذائية الكاملة.
وعلي الأم أن تكون علي علاقة طيبة بمشرفات الحضانة حتى يمكنها التعاون معهن علي التغلب علي المشكلات التي تواجه طفلها.
اختيار دار الحضانة المناسبة: يجب علي الأم اختيار دار الحضانة المناسبة، خصوصًا وأن هناك بعض دور الحضانة الأجنبية ذات الطابع التبشيري، التي يكون لها آثار خطيرة علي أطفالنا ؛ وخاصة عندما يدرِّسون اللغة الأجنبية للصغار منذ نعومة أظفارهم، باعتبار أن اللغة وعاء لما يراد إكسابه من عادات أو ثقافات، في حين يؤكد التربويون علي ضرورة تأجيل تعلُّم أية لغات أجنبية حتى بداية الصف الرابع من المدرسة الابتدائية، حتى يتفرغ الطفل إلي تعلم لغته القومية وإجادتها وممارستها علي أسس سليمة صحيحة.
وقد تتساءل الأم: ما أفضل دور الحضانة إذًا ؟
علي الأم أولا أن تسأل عن القائمين علي إدارة الحضانة من حيث مدي حرصهم علي أداء واجبهم، ومراعاة ضمائرهم، والتفاني في خدمة الطفل، حيث إن طفلها سيكون أمانة بين أيديهم، وعليها أن تدرك أن دار الحضانة المناسبة هي الدار ذات الموقع الممتاز الجيد التهوية، الذي تدخله الشمس باستمرار، والذي يتوافر فيه مكان واسع للعب الأطفال في الهواء الطلق، وقلة عدد الأطفال، مع توافر عدد مناسب من المشرفات المتخصصات، بالإضافة إلي الإشراف والعناية الصحية الملائمة.
وعلي الأم أن تحرص علي إلحاق طفلها بدار الحضانة التي تتيح له فرصة أكبر للعب بأشكاله المختلفة، حتى يتمكن من النمو النفسي والعقلي والوجداني السليم، كذلك عليها اختيار دار الحضانة التي لا ترهق الطفل بالواجبات وأعمال الدراسة والحفظ؛ حتى يستطيع الطفل الاستمتاع بطفولته، كذلك التي تعمل علي تعريض الطفل في هذه السن لجميع أنواع المثيرات التي تفيده حسيًّا ووجدانيًّا، مع ضرورة وفرة الإثراء البيئي في بيئة الحضانة؛ لأن ذلك يساعد علي النمو العقلي للأطفال، ولا تنسي أن تحرص علي اختيار دار الحضانة التي تعمل علي تزويد طفلها بمعارف مبدئية عن الحلال والحرام، لتنمية الاتجاه الخلقي الصحيح لديه.
ومن الناحية التربوية ينبغي أن تشبع دار الحضانة الناجحة رغبات الطفل وميوله وحاجاته، وتقدم المناهج التي تتناسب مع مداركه، كذلك تستكمل عملية التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة، فيتعود الطفل آداب السلوك الاجتماعي المقبول، والاعتماد علي نفسه في تصريف شئونه . بالإضافة إلي تعريف الطفل ببيئته الطبيعية، ومساعدته علي فهمها، وتجنيبه ما بها من أخطار عن طريق الملاحظة والمشاهدة.
وتعتبر هذه الفترة فرصة لتعويد الطفل علي الآداب الإسلامية السامية، لهذا قالوا: التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر. والطفل لا يولد مزودًا بأية معرفة، ولا يعرف شيئًا عن الحياة، ولهذا فإن مسئولية الآباء كبيرة خلال هذه الفترة من عمر الطفل؛ لذلك يقع علي الأم العبء الأكبر في تربية الطفل، وذلك لأن الأب يكون مشغولا عنه لكثرة مهامه وأعماله، فإذا لم تقم الأم بهذا الواجب أو تخلت عنه، فإن الطفل ينشأ نشأة اليتيم، وإن كان أبواه علي قيد الحياة، يقول الشاعر:
ليسَ اليتيمُ من انتهي أبواه من همِّ الحياةِ وخلّفاهُ ذليـــلا
إن اليتيمَ هو الذي تَلْقَــــي له أُمَّا تَخَلَّتْ أو أبًا مشغولا
م/ن..