بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من رافق الراحة فارق الراحة
ثلاثة أشياء تبعث المتلبس بها على الصبر في البلاء..
إحداها :
ملاحظة حسن الجزاء ، وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخف حمل
البلاء لشهود العوض ، وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها لما
يلاحظه من لذة عاقبتها وظفره بها ، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة ، وما
أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة ، فالنفس موكلة بحب
العاجل ، وإنما خاصة العقل تلمح العواقب ومطالعة الغايات ، وأجمع عقلاء كل أمة
على أن النعيم لا يدرك بالنعيم ، وأن من رافق الراحة فارق الراحة ، وحصل على
المشقة وقت الراحة في دار الراحة ، فبقدر التعب تكون الراحة :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم * وتأتي على قدر الكريم الكرائم
ويكبر في عين الصغير صغيرها * وتصغر في عين العظيم العظائم
والقصد :
أن ملاحظة حسن العاقبة تعين على الصبر فيما تتحمله باختيارك وغير اختيارك .
||
والثاني :
انتظار روح الفرج يعني راحته ونسيمه ولذته ، فإن انتظاره ومطالعته وترقبه
يخفف حمل المشقة ، ولا سِيًّما عند قوة الرجاء أو القطع بالفرج ، فإنه يجد في
حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته ما هو من خفي الألطاف وما هو فرج
معجل وبه وبغيره يفهم معنى اسمه اللطيف .
||
والثالث :
تهوين البلية بأمرين ..,,
أحدهما : أن يعد نعم الله عليه وأياديه عنده ، فإذا عجز عن عدها وأيس من حصرها
هان عليه ما هو فيه من البلاء ، ورآه بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه كقطرة من
بحر .
الثاني : تذكر سوالف النعم التي أنعم الله بها عليه ، فهذا يتعلق بالماضي وتعداد
أيادي المنن يتعلق بالحال وملاحظة حسن الجزاء ، وانتظار روح الفرج يتعلق بالمستقبل
وأحدهما في الدنيا والثاني يوم الجزاء.
ويحكى عن امرأة من العابدات أنها عثرت فانقطعت إصبعها فضحكت ، فقال لها
بعض من معها : أتضحكين وقد انقطعت إصبعك ؟
فقالت : أخاطبك على قدر عقلك ، حلاوة أجرها أنستني مرارة ذكرها ، إشارة
إلى أن عقله لا يحتمل ما فوق هذا المقام من ملاحظة المبتلي ومشاهدة حسن
اختياره لها في ذلك البلاء ، وتلذذها بالشكر له والرضا عنه ، ومقابلة ما جاء من
قبله بالحمد والشكر ، كما قيل :
لئن ساءني أن نلتني بمساءة * فقد سرني أني خطرت ببالكَ .
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين