وقد نقل الصحفي الأمريكي تلك الرواية عن صاحب مزرعة في (هايتي) يؤكد أنه لا يؤمن بالخرافات المنتشرة في (هايتي)ن ولكن بالنسبة له كان (الزومبي) حقيقة لا تحتمل الشك، ويشاركه في الإيمان كل سكان (هايتي) الذين يخشون كهان (الفودو) الشريرين، والذين يعيشون معظم حياتهم بين القبور وجثث الأموات، ويؤكدون أن قمة السحر لديهم (إحياء الموتى)، وأن كان كاهن (الفودو) الشرير لا يزعم بأن لديه القدرة على إعادة الروح (المقصود بالروح هنا القرين من الجن، وليس الروح التي بخروجها يموت الإنسان) إلى الجسد فقط، هو يؤكد بأن لديه القدرة على إعادة الروح إلى داخل الجسد الميت، فيتحرك ويمشي ويتكلم قليلا، إلا أن هذا الجسد يصبح عبدا لهذا الكاهن، وحيث إنه شرير فإن الكاهن يسخر الميت الحي في أغراض شريرة، فيمكن أن يقتل له شخصا على سبيل المثال، أو أن يبيع الكاهن (الميت الحي) الذي لا يملك من نفسه شيئا إلى أحد أصحاب المزارع، فيعمل في السخرة بدون أجر وإلى الأبد.
ويتفنن كهنة (الفودو) الشريرون في إيذاء من يريدون عن طريق سحرهم الأسود وبطرق عجيبة، وعلى سبيل المثال؛ فإنهم حينما يختارون ضحيتهم، تبدأ هذه الضحية في الشعور بعلامات ضيق شديدة واكتئاب أشد، ثم تشعر الضحية بعد ذلك برائحة عفن تتصاعد تدريجيا مع مرور الوقت، حتى يشعر الشخص الضحية بأن جسده يتحلل كالجثة الميتةن ويهيم الشخص الضحية على وجهه كالمجنون وتنتهي المأساة، إما أن يصبح الضحية مجنونا رسميا، أو يتخلص من حياته، كيف؟ سؤال يجيب عنه المتخصصون في سحر (الفودو) والمهتمون بدراسة ظاهرة (الزومبي) فيقولون؛ أن ذلك يتم من داخل إحدى المقابر، حيث يجلس الكاهن الشرير بجوار جثة الضحية المستهدفة، ثم يمارس طقوسا سريعة على الجثة، وبمرور الوقت وكلما ازدادت الجثة تحللا زاد شعور الضحية بالعفن والجيفة حتى يجن أو يموت.
طقوس مرعبة في تلك العقيدة السوداء عقيدة (الفودو)، حيث أنه من المعروف في تلك العقيدة أن يقوم كاهن (الفودو) الشرير ببيع أرواح الآخرين إلى قوى الشر (الشيطان)، وحيث أن قوى الشر في تلك العقيدة الوثنية تختلف عن بقية العقائد الأخرى، فهي تشترط على الكاهن أن يبيعها أرواح أقرب الناس إليه، وكذلك أحبهم لنفسه، وعندما تموت الضحية المسكينة فإنها تتحول إلى (زومبي) أو (ميت حي)، ولكن ماذا بعد أن يفنى جميع أقرباء وأحباء الكاهن؟ الاتفاق هو الاتفاق، ويكون الاتفاق أنه عندما تفرغ أرواح المقربين والمحبين يأتي الدور على الكاهن الشرير فيقدم روحه لقوى الشر لتتحول جثته هي الأخرى فيما بعد إلى (زومبي).
والسؤال كيف يتم أو يحدث ذلك؟ وذلك يتم بأن يختار الكاهن منزل الضحية التي قرر أن يبيع روحها إلى الشيطان والمرشحة جثتها لأن تكون (زومبي)، حيث يصل الكاهن الشرير ويضع فمه على فجة من الباب، ثم يستنشق الهواء بقوة من غرفة الضحية المسكينة، وخلال استنشاق الكاهن الهواء يسحب روح الضحية، ثم يفرغها في زجاجة، ويحكم عليها الغطاء، بعد ذلك بأيام قليلة تشعر الضحية بضعف شديد وهزال لا يعرف الأطباء سببا له، ينتهي بوفاة سريعة، وحينما تدق الساعة منتصف الليل يتسلل الكاهن إلى قبر الضحية ليلة دفنها .. ويفتح التابوتن وينادي على الميت باسمه، حيث أنه طبقا لعقيدة (الفودو) فإن الكاهن يمسك بروح الضحية الميت من زجاجة محكمة الغطاء، ومن ثم فإن الميت بمجرد سماع اسمه ينادى فإنه يرفع رأسه على (الفودو)، ويتقدم الكاهن ويفتح غطاء الزجاجة، ويضع فوهتها تحت أنف الميت لمدة ثلاث ثوان فقط، فيقوم الميت متعثرا، وعقب ذلك يقوم الكاهن بتقييد الجثة المتحركة بالسلاسل من الرسغين والرقبة، ثم يقوم بضرب الميت فوق كفيه وأسفل رأسه لمزيد من استعادة الوعي، وفي أغلب الأحيان فإن الكاهن الشرير يتعمد أن يصحب الميت الحي معه بالقرب من منزله حتى يتأكد من أنه لم يتعرف به، ولن يعود إليه مرة ثانية، حيث يقوم بعد ذلك بتسخير ذلك الميت الحي لخدمة أغراضه الشريرة.
ويصف المتخصصون في عقيدة (الفودو) الحالة التي يوصف بها (الزومبي) بأنها أقرب إلى أن تكون حالة تنويم مغناطيسين فهو يتحرك ويفعل ما يؤمر به دون نقاش .. وطبقا لمعتقدات (الفودو) فإن (الزومبي) محكوم عليه بالبقاء في هذه الحالة (لا موت ولا حياة إلى الأبد)، إلا في حالة تناوله كميات من الملح عدة مرات حسبما ذكرنا من قبل، حيث يعيد الملح (الزومبي) إلى وعيه لكي يدرك فقط حقيقة أنه ميت قبل أن يعود طواعية مرة أخرى ليرقد في قبره للأبد.
على أية حال فقد أثارت ظاهرة (الزومبي) اهتمام العديد من الكتاب والصحفيين والعلماء ورجال الدين، وهؤلاء تمكنوا من رصد العديد من حالات (الزومبي)، وبعض هؤلاء كما ذكرنا رجال دين أقاموا الصلاة على أموات ودفنوهم بأيديهم، وأغلقوا عليهم القبرن ليفاجئوا بهؤلاء الأموات بعد بضعة أيام يتجولون في حالة أقرب إلى الجنون، ومن تلك الحالات حالة سيدة شابة اسمها (فاليشيا فيلكس) ماتت ودفنتن وبعد وفاتها بأعوام طويلة كانت شقيقتها التي أصبحت عجوزا تقف أمام منزلها، وإذا بها ترى شقيقتها الميتة والتي دفنتها بيديها تهيم أمامها في الحقل المواجه للمنزل، عارية كما ولدتها أمهان وفي حالة صحية في منتهى السوء، فصرخت، وهكذا فعل جميع أفراد العائلة الذين تعرفوا على ابنتهم التي توفيت ودفنت من قبل، وها هي ترقد الآن على الفراش أمامهم، لا تقوى على الكلام أو استيعاب ما يقال لها، وتأكل بصعوبة فهي ليست سوى جثة متحركة.
وتصف (زوراهورستون) الكاتبة الأمريكية والمتخصصة في دراسة عقيدة (الفودو) وهي واحدة ضمن قليل من المتخصصين الذين التقوا بالحية الميتة (فاليشيا) فتقول كان المنظر مرعبا .. كان الوجه خاليا من أي تعبير .. العينان .. لا تعكسان أي ردود أفعال .. وكانت هناك هالات بيضاء غامضة حول عينيها حيث يحسب الناظر للوهلة الأولى أن الجفون قد ذابت بفعل حامض قوي .. كانت حطاما حيا أو ميتا لا ادري .. لا استطيع أن اجزم بشيء حيث أنني لم أستطع أن أواجه ذلك المشهد المرعب أو أواجه الفكرة اكثر رعبا لمدة ساعة فقط.
وفي كتابه (غير المرئيين) يسجل (فرانسيس هوكسلي) عالم الأجناس البريطاني البارز عددا من أغرب حالات (الزومبي) ويقول أنه زار جزيرة (هايتي) في أحد الأعوام، وهناك أقام بجوار كنيسة كاثوليكية كبيرة في العاصمة، وفي غحدى الليالي استدعاه راعي الكنيسة، ليفاجأ بأحد هؤلاء (الزومبي) جالسا في الفناء الخلفي للكنيسة، وعلى الفور قرر (هوكسلي) وراعي الكنيسة ضرورة تسليم (الزومبي) التعيس إلى مركز الشرطة بصفتهم الجهة الرسمية التي يمكن أن تتصرف حيال هذا الموقف، إلا أن البوليس أصابه الرعب من مجرد دخول الميت الحي إلى قسم الشرطة.
يتبع