سـر الأرقـــام الـمـقـدسـة
بعض الشعوب ، لا سيما الشعوب الشرقية القديمة ، كانوا ينسبون إلى قسم من الأرقام والأعداد قداسة وسحرا . وقد انتشرت هذه المعتقدات في نطاق واسع من بلاد الهند والصين . كما أن تاريخ الفراعنة يشهد اهتمامهم في تقديس أرقام معينة .
تعتقد هذه الشعوب أن بعض الأرقام مقدس ، لأنه (مبارك من الإله) ، فيما البعض الآخر غير مقدس ، لأنه وضع في (تصرف قوى الشر ) ... حتى وصل الأمر بالعديد من القبائل إلى حدّ التشاؤم من أرقام معينة ... لدرجة أنهم كانوا يلازمون منازلهم ويمتنعون عن العمل أو القيام بأي شيء ، إن كان لذلك العمل علاقة برقم (مشئوم) ، معتقدين أن قوى الشر ستدنِّس أعمالهم ، وتؤدي بكل ما يقومون به إلى الفشل .
وقد ذهب البعض أبعد من ذلك ، كانوا ، إذا ما توفى شخص ما في اليوم ( المخصص لقوى الشر ) ، ينبذون الجثّة ، معتقدين أن قوى الشر هي التي ستسيطر على روح الميت . أما إذا توفى شخص ما في يوم مقدس ، استبشروا خيرا ، وابتهلوا إلى الإله والقوى الخيّرة ، لأنها هي التي ستستضيف روح الميت لديها .
هذا وإن أصاب المرض أحدهم في يوم غير مقدس ، فإن اعتقادا بدنوّ أجله ، يسيطر على عقولهم . أما إذا ما مرض شخص ما في يوم مقدس ، فهم يؤمنون أن الشفاء سيتمّ عاجلا أو آجلا .
هذه الشعوب تعتقد أن الأيام التي تحمل الأرقام المفردة هي أيام مقدسة ، فيما تلك التي تحمل الأرقام المزدوجة تخضع لسيطرة قوى الشر . سبب هذا الاعتقاد يعود إلى أن رقم الوحدة يرمز إلى الإله ، فيما الازدواجية هي رمز المادة وانعكاس الحقيقة ، أي الوهم ... وأيضا هي رمز الأشياء التي تتّصف بقوى سلبية . لذلك ، سرى الاعتقاد أن الأرقام المزدوجة هي أرقام قوى الشر !
من ناحية أخرى ، شعوب الشرق الأقصى القديمة ، لا سيما تلك الشعوب العريقة التي أقامت في بلاد الهند ، عرفت الأرقام المقدسة ، وأدركت سرّها ... وقد كان الناس آنذاك ، يقدمون الابتهالات والصلوات أثناء تلك الأيام المقدسة ، أكثر من باقي الأيام . كما أنهم كانوا يخصّصون تلك الأيام للقيام بمختلف الأعمال الروحية ، وكل ما يمتّ إلى الروح بصلة .
لقد كانت شعوب الهند القديمة تعتقد بقداسة الأرقام التالية :
1 / 3 / 7 / 9 / 12 / 13 / 18 / 27 / 30 / 33 . هذا فضلا عن بعض الأرقام الأخرى التي اعتبروها أقلّ قداسة من هذه ...
في الواقع ، لا صلة لهذا الاعتقاد بالخرافات والأساطير التي أدّت إلى التشاؤم أو التفاؤل من الأرقام المفردة والمزدوجة . لكن اعتقادهم هذا قريب من المنطق ، لأنه يستند إلى وقائع ملموسة وحجج مقنعة .
فالرقم واحد يمثل الإله والروح ، كما تم ذكره سابقا ، وطبقا لذلك ، كانوا يفضلون الابتداء بأي عمل ، في اليوم الذي يحمل الرقم واحد .
أما الرقم ثلاثة فهو يرمز إلى الثالوث الإلهي ، ثالوث الخلق ، وقد عرفت شعوب الشرق الأقصى معنى الثالوث ودلالته المقدسة ، قبل أن تعرفه شعوب الشرق الأدنى ... وقد أدركوا أسرار الثالوث من خلال عملية الخلق وإيجاد الخليقة .
أما الرقم سبعة ، فهو يرمز إلى الاكتمال أو التكامل . وقد آمنت شعوب الشرق الأقصى ، والكثير من الشعوب الأخرى ، كالإغريق ، والمصريين القدامى ، وشعوب ما بين النهرين ، بالرقم سبعة وقدسيته ... وقد أدركوا السز الذي يجسده . وكانوا ينسبون هذا الرقم إلى الشمس وقوى النور .
الرقم تسعة كان ، بالنسبة إلى الحضارات القديمة ، وخاصة شعوب الهند ، يمثل الألوهية ، بل جوهر الألوهية . فهو مثال الثلاثة في ثالوث مثلّث ... لذلك ، كانت قداسته هي الأسمى من بين سائر الأرقام .
أما الرقم 12 ، فقد كان رمزا تقتصر معرفته على كهنة المعابد . فقد كانوا يعتبرونه رقما روحيّا صرفا ، لا علاقة له بتطوّر الإنسان ككل ، بل بتطوّر الروح . فبعد أن يصل الإنسان إلى الكمال ، أي إلى رمز الرقم تسعة ، عليه أن يعود إلى الوحدة . لكن العودة هذه لن تتمّ مباشرة ، بل عبر المرور بثالوث روحي - رمزه الرقم ثلاثة . لان الرقم ثلاثة كان قاعدة انطلاقته الأولى . هذا يعني ، أنه يجب على الروح ، بعد الوصول إلى الرقم تسعة ، أن تدرك مكوّناتها ، وحقيقة مصدرها ... وهذا ما سيتحقّق بعودتها إلى الثالوث ، أي الثلاثة بعد التسعة . مما يجعل من المجموع اثني عشر . من هنا برزت قدسيّة هذا الرقم ... تلك القدسيّة التي لم يعرفها سوى العدد القليل من المتفوقين في علم الروح . أما من أدرك سرّ العبور بالثالوث بعد الكمال ، فهم الندرة من المتفوقين والعارفين . بذلك نستنتج أن الرقم اثني عشر هو رقم وعي الروح ، ووعي المصدر ، قبل الاتحاد بهذا المصدر وبالوحدة !!
الرقم 13 يعني الكثير ، فهو يعني نهاية دورة وبداية أخرى ، أو هو نهاية مرحلة ارتقاء ، وبداية أخرى أسمى . هذا الرمز استمدّه من حقيقة الوحدة بعد ألاثني عشر .
فبعد مرحلة الثالوث التي على الروح أن تمر بها بعد الكمال ، تبلغ الروح الوحدة ، وتتّحد بها ، وتعود إلى عمق مصدرها ... وذلك من اجل أن ترتحل إلى كون أسمى ، حيث ستتابع تطوّرها . فالوحدة بعد ألاثني عشر ، توصل إلى الثلاثة عشر ... إلى تلك المرحلة النهائية في هذا النظام الشمسي .
بعبارة أخرى ، يرمز الرقم 13 إلى الفصل والنهاية ... إذ أن المشيئة الإلهية قد حدّدت عمر الزمن ، وعمر التطوّر في هذا الكون ... وبالتالي ، يعتبر هذا العمر مقدّسا ، لا يمكن تمديده .
إذن ، عند عودة الأرواح الكاملة إلى الوحدة ، ورمزها الرقم 13 ، سوف تعود الوحدة ، حاملة الأرواح الواعية الكاملة ، إلى كون أسمى ووعي أشمل !
أما الأرواح البشرية التي لم تجاري التطوّر ، وآثرت عدم الارتقاء نحو الكمال ... فإن مصيرا مجهولا سيكون في انتظارها ! وذلك حسب ما نصّت عليه القوانين الإلهية وذكرته المخطوطات الشرقية المقدسة ... علماً أن العلوم الباطنية تستمد معلوماتها من المعرفة الإلهية .
لذلك ، الرقم 13 يحمل معنيين متناقضين : معنًى يوحي لطلاب علم الذّات أنه رمز الخلاص والحرية ، رمز الحكمة والانعتاق والتلاشي في كنف الوحدة . ومعنى آخر يوحي للأشخاص الماديين أن هذا الرقم هو نذير المصير المجهول ، والخوف من ذلك الغامض الكبير ... وأيضا رمز الضياع والفراغ !
وهكذا شغل الرقم 13 بال الكثيرين ، فهو رقم التفاؤل للبعض ، ورمز التشاؤم للبعض الآخر . أما في نظر العلوم الباطنية ، فهو رمز الفصل والنهاية ، رمز الخلاص والحرية !
الرقم 18 هو رقم مقدس ، لأنه يحوي الرقم تسعة مرتين ... وهذا يعني كمالا فوق الكمال !
كذلك الأمر مع الرقم 27 ، فهو يحوي التسعة ثلاث مرات ... أي التسعة المثلّثة ! فكل رقم يضم التسعة والثلاثة يُعتبر رقما مقدسا في نظر الشعوب الشرقية ، لا سيما شعوب القارة الهندية ، كما أن كل عدد يُقسم على تسعة ، أو مجموع أرقامه تسعة ، مثلًا : 9 ، 99 ، 999 ، الخ ... يُعتبر رقما مقدسا لدى المطّلعين على علم الأرقام .
الرقم 30 يرمز أيضا إلى الثالوث ، لكنه لم يُعتبر أكثر قداسة من بقية الأرقام .
أما الرقم 33 ، كان ومازال ، رمز الحكمة في أوجها ، في نظر الكثير من الشعوب والأفراد . فالثلاثة مكررة هي رمز الانطلاق من الثالوث والعودة إليه ... مما يعني الاندماج في الوحدة ، والوصول إلى قمة التطوّر والارتقاء في هذا النظام الشمسي .
جميع الأرقام التي ذُكرت ، بالإضافة إلى الأعداد الأخرى التي تحمل في أرقامها تسعة ، أو ثلاثة ، أو سبعة ... كانت تُعتبر مقدسة ، ورمزا للتفاؤل . وقد كانت الشعوب القديمة تسعى دوما لتنفيذ جميع الأعمال الروحية ، في ظل هذه الأرقام المقدسة .
من ناحية أخرى ، كثيرة هي الطقوس التي اشتملت على تنفيذ عمل ما ، أو لفظ كلمة ما ، أو القيام بحركة ما ، وتكرارها ثلاث أو سبع أو تسع مرات . وهذه الأمور ما زالت تُمارس حتى يومنا هذا في بعض الطقوس الدينية ، وأعمال المعرفة الباطنية .
والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو : هل تتميّز تلك الأرقام حقاً بقدسية ملموسة ، أم أنها مجرد أوهام من نسج الخيال ؟!
في الواقع ، تحمل هذه الأرقام في طياتها قداسة ، قد تكون محسوسة ، وقد لا تكون . لكن القداسة موجودة . ومن يملك بصراً ثاقباً يستشفّها ، أو تمييزاً دقيقاً فيشعرها .
أن الأرقام هي عبارة عن ذبذبات وعي ونظام . هذه الذبذبات موجودة في الأرقام ، إن شعرنا بها ، أم لم نشعر بها . إذن ، الذبذبات التي تكوّن رقم الثالوث ، رقم الاكتمال ، أو رقم الكمال ، لا بد أن تكون أكثر قداسة وقوّة ووجوداً ووعياً ، من ذبذبات سائر الأرقام الأخرى .
من هذا المنطلق ، يمكن القول أن الأيام ، والأسابيع ، والأشهر ، والأعوام التي تحوي الأرقام المقدسة ، لا بد وأن تشهد نوعاً من مساعدة القوى الخيّرة ، أو من ذبذبات وعي ، أو من عناية عليا ... أكثر مما تشهده أيام أخرى ، وهذا ما يفسر سعي البعض لتنفيذ الأعمال الروحية الكبرى في الأيام التي تحمل هذه الأرقام ! .