الكشف البصري والسمعي
(اليقظي والمنامي)
يجب أن نتفق على أن (الكشف البصري والسمعي اليقظي والمنامي) هو من الفتح الرحماني، وهو منحة من الله تعالى للمريض ويستفيد منه المعالج في كشف حال الجن والشياطين، وهو خلاف (الكشف البصري والسمعي اليقظي والمنامي) عند السحرة فهو من الفتح الشيطاني، يستطلع به السحرة أحوال الجن والشياطين، ويطلعون من خلاله على عورات البيوت والناس، كما هو متبع في أسحار التجسس والتصنت.
ولو كان الكشف تضليلا كما يزعم البعض لما سحرت الجن على عين المريض لحجب الكشف البصري عنه، ولكن العلة في المعالجين والرقاة في سوء فهمهم لما يراه المريض في الكشف البصري، والذي هو من الفتح الرحماني لا الشيطاني، فيستغل البعض التشابه بينهما فينهون ويحذرون من الاعتماد على الكشف البصري والافراط فيه، لذلك فمن فرط جهلهم بتعبير الرؤى، ولعجزهم عن تفهم تفاصيل الكشف البصري نتيجة لإهمالهم دراسته فإنه يفوتهم الكثير مما فيه نفع المريض، فمن الممكن من خلال كشف بصري منامي، أو رؤية أن يكتشف المعالج أدنى هفوة من المريض، سواء أثناء فترة العلاج أو فترة النقاهة.
دليل من الكتاب:
فالسامري بصفته ساحر أخرج عجلا جسدا له خوار في مقابل حلية القوم وزينتهم كان لديه كشف بصري، فأبصر فرس جبريل عليه السلام، فأخذ من أثره قبضة سحر بها ليخرج العجل لبني إسرائيل، وهذه من العوالم الملائكية، وهذا من البصيرة الشيطانية التي يضل الشيطان بها أقرانه، قال تعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) [طه: 95، 96].
دليل من السنة:
أما من السنة فقد كان ابن صائد ساحرا، وكان يرى ما لا يراه الإنس بسبب الكشف البصري الشيطان، فرأى وهو في صحراء الجزيرة المقحلة عرش إبليس على ماء البحر، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد: (ما ترى؟) قال: أرى عرشًا على الماء أو قال: على البحر حوله حيات، قال صلى الله عليه وسلم: (ذاك عرش إبليس).
دليل من الأثر:
أما من الأثر فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (ج 6 ص 182) [30514] حدثنا عبد الله بن بكر السهمي عن حاتم بن أبي صغيرة عن بن أبي مليكة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أنها قتلت جانا فأتيت فيما يرى النائم فقيل لها أما والله لقد قتلت مسلما قالت فلم يدخل على أزواج النبي ؟ فقيل لها ما يدخل عليك إلا وعليك ثيابك فأصبحت فزعة وأمرت باثني عشر ألفا في سبيل الله )، وهذا اثر يثبت الكشف البصري المنامي الرحماني لا الشيطاني، فعلمت أمنا رضي الله عنها من الجن مناما أن عليها وزرا من قتل هذا الجني المسلم، فأصبحت فزعة وأمرت باثني عشر ألفا في سبيل الله، ولو كان هذا الكشف ضلالا وتضليلا كما هو حال السحرة لما أنفقت مالها في سبيل الله.
دليل من السلف:
والسحرة يصنعون كحلا خاصا كنوع من السحر، بهدف رؤية الجن والشياطين، ويطلبون من المريض التكحل بهذا الكحل المخصوص بهدف مساعدة المريض على رؤية الجن، ولكن بكل تأكيد فهذا الكشف تابعا لإرادة الشيطان، وليس من الكشف الرحماني في شيء، وعلى هذا فهو كشف محرم، والدليل على هذا مما قد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله البرزي من أهل برزة من غوطة دمشق وكان من الصالحين يصوم الاثنين والخميس وكان أعور قد بلغ الثمانين، فروى ابن عساكر بسنده إلى أبي سليمان بن زيد أنه سأله عن سبب عوره فامتنع عليه فألح عليه شهورا، فأخبره أن رجلين من أهل خراسان نزلا عنده جمعة في قرية برزة، وسألاه عن واد بها فأريتهما إياه، فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخورا كثيرا، حتى عجعج الوادي بالدخان، فأخذا يعزمان والحيات تقبل من كل مكان إليهما، فلا يلتفتان إلى شيء منها حتى أقبلت حية نحو الذراع وعيناها تتوقدان مثل الدينار، فاستبشرا بها عظيم وقالا: الحمد لله الذي لم يخيب سفرنا من سنة، وكسر المجامر وأخذا الحية، فأدخلا في عينها ميلا فاكتحلا به، فسألتهما أن يكحلاني فأبيا، فألححت عليهما، وقلت: لا بد من ذلك، وتوعدتهما بالدولة فكحلا عيني الواحدة اليمنى، فحين وقع في عيني نظرت إلى الأرض تحتى مثل المرآة أنظر ما تحتها، كما ترى المرآة. ثم قالا لي: سر معنا قليلا. فسرت معهما وهما يحدثان حتى إذا بعدت عن القرية أخذاني فكتفاني، وأدخل أحدهما يده في عيني ففقأها، ورمى بها ومضيا، فلم أزل كذلك ملقى مكتوفا حتى مر بي نفر ففك وثاقي فهذا ما كان من خبر عيني.
سحر طمس البصر:
لذلك ففي بعض الحالات يسحر الجن على بصر المريض حتى يحجبوا عنه الكشف البصري، بهدف منع أي معلومات يستطيع المعالج من خلالها كشف حال الشياطين وهتك أستارهم، وإلا استطاع توظيف دعائه وفقا لكيدهم، حيث يقوم الساحر بصنع عوالم خاصة بالسحر الذي يصنعه داخل عالم الجن، فيمكن بناء مدن بعمائرها وسكانها من الشياطين وبحار وأنهار من السحر، كل هذا عرفناه بما يمن الله به على المريض من كشف بصري سواء منامي أو يقظي، لذلك يخشى الشيطان من كشف أستاره فيسحر سحر طمس بصر حتى لا يفضح على يد المريض.
علاج سحر طمس البصر:
لذلك ألجأ كمعالج إلى الكحل الإثمد المقرئن، بهدف إبطال أسحار طمس البصر، سواء رأى المريض بعد ذلك أم لم يرى، فهي أسحار يجب التخلص منها لأنها عالقة بالمريض، ومن ثم فإن كشف الله له البصر فرأى ما يمكنه الله من رؤيته فهذا فتح من الله تعالى، لذلك فالتكحل بالإثمد وهو سنة، خاصة إذا قرئ عليه ما تيسر من القرآن، نفع بإذن الله في إبطال أسحار طمس البصر، فالهدف منه إبطال سحر الطمس وليس الهدف منه كشف البصر كما يفعل السحرة، فإن كان مقدر له الرؤيا رأى وإن لم يقدر له فقد تخلصنا من السحر وانتهى أمره، حيث ينكشف بصر المريض بمشيئة الله وحده وليس بالكحل، مما يتيح فرصة كبيرة للحصول على معلومات هامة متعلقة بتطورات جلسات علاج المريض.
علامات سحر طمس البصر:
ومن علامات طمس الكشف البصري تذبذب بصر المريض، فتارة يرى أطيافا معتمة وضبابا، أو يرى بصيص نور أو ضوء ساطع، وقد ينعدم الكشف تماما فلا يرى المريض شيئا مطلقا، ويتم الاختبار بأن يغمض المريض عينيه، ويركز بصره فسوف يرى، لأن هناك عدة أساليب للكشف البصيري.
ويتم الكشف البصري والسمعي اليقظي على حالتين، الأولى والرائي مفتوح العينين، والأخرى وهو مغمض العينين، وقسمتهما إلى (كشف بصري خارجي)، و(كشف بصري داخلي).
كشف بصري خارجي:
وفيه يكون الجن واقفا خارج جسم المريض، ويتم فيه الرؤية إذا فتح المريض عينيه فقط، وإذا أغمضها لم يره.
إذا رأيت الجن وحدك وأنت مفتوح العينين، ولم يره المحيطين بك، فهذا يسمى (تمثل)، ويعني أن الجن ماثل أمامك خارج الجسد، بشرط أنك إذا أغمضت عينيك لم تره، وهنا عليك مهاجمته، أو ردد الآذان إذا خفت منه، فسوف يجري وله ضراط، أو على أقل تقدير كرر التكبير والبسملة.
قال تعالى:
(فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) [مريم: 17]،
ورؤية الملك كانت قاصرة عليها تراه وحدها فلا يراه غيرها، وهذا هو مفهوم التمثل، وهذا شاهد على أن الملائكة قد تتمثل للصالحين من عباد الله.
وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال أن الشياطين ستتمثل في صورة الإنس: (وإن من فتنته أن يقول لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أنى ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بنى اتبعه فإنه ربك..).( )
كشف بصري داخلي:
وفيه يرى المريض الجن داخل جسده، ويتم فيه الرؤية سواء إذا أغمض المريض عينيه أو فتحهما، لكن تكون الرؤية أشد وضوحا إذا أغلق المريض عينيه.
إذا رأيت الجن يقظة وأنت مغمض العينين فهذا يعني أن من تراه من الجن موجودون داخل جسدك، فعليك بترديد الآذان ومهاجمته، ويمكن لك في هذه الحالة رؤيته أيضا إذا فتحت عينينك، ولكن تكون الرؤية باهتة نوعا ما، وليست في درجة وضوح الرؤية حين إغماض العينين، وربما تبهت إلى درجة ينعدم معها الإبصار تماما، فهي على درجات.
لذلك نعمد كمعالجين إلى أن نطلب من المريض إغماض عينيه، ربما أمكن الاستفادة من المكاشفة هنا في الحصول على معلومات تشخيصية تفيد في علاجه، وتنبئ المعالج إلى مدى تطور علاج المريض، فقد يموت شيطان فيرى المريض لك ويخبر به المعالج، فهذا دليل على أننا نجحنا في خطوة من العلاج، وقد يرى المريض الشيطان أمامه، فتبدو عليه علامات يعرف منها دينه وملته وقوته وجنسه ومواطن ضعفه وقوته، وتفضح مراوغاته وألاعيبه.
من الممكن أن يتلاعب الجن بعين المريض، فيخيل له ما يروع به فؤاده، أو من لا دراية له بالتعامل مع الجن، إلا أن هذا الدور المضلل يتقلص كثيرًا مع خبرة المعالج المحنك، وينعدم بالتزام الضوابط الشرعية التي من المفترض إلمام المعالج بها، والمريض يستطيع أن يفرق بين تخييل الشيطان وبين الحقيقة، فإذا شعر المريض بقسوة وغلظة في القلب، فاعلم أن هذا من تخييل الشيطان، وإن شعر بانشراح صدره فما يراه حقيقة وليس تخييلاً، وفي كثير من الأحيان ذا كان هناك ساحر يتابع مجرى أحداث الجلسات عن طريق الكشف البصري، ففي مثل هذه الحالة قد يصنع للمريض (سحر تخييل) ليضلل به المعالج.
وخلاف ذلك فقد يصنع للمريض (سحر طمس) فينطمس سمع وبصر المريض ويتوقف الكشف السمعي والبصري، وهما من أهم الأدوات المساعدة للمعالج في إنجاز الجلسات الناجحة، وفي الحصول على المعلومات التي يحتاجها إكمال مسيرة العلاج، ففي حالة توقف الكشف البصري على المعالج أن يقوم على الفور بالدعاء بإبطال (سحر الطمس)، أما في حالة التعامل مع سحر التخييل فعلى المعالج توجيه ضربات مؤلمة إلى الساحر، وإعادة تحصين المكان ضد أسحار التجسس والتصنت0
منقول للفائدة