قال ابن الجوزي: "قال بعض العلماء: إنَّ الله تعالى قال في المكروهات: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] على لفظ لم يسم فاعله، وإن كان قد علم أنه هو الكاتب، فلمَّا جاء إلى ما يوجب الراحة، قال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]" (صيد الخاطر لابن الجوزي (ص101)).
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 183- 184].
قال الفخر الرازي: "قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} يعني: هذه العبادة كانت مكتوبة، واجبة على الأنبياء والأمم، من لدن آدم إلى عهدكم، ما أخلى الله أمةً من إيجابها عليهم لا يفرضها عليكم وحدكم، وفائدة هذا الكلام؛ أنَّ الصوم عبادة شاقة، والشيء الشاق إذا عمَّ سهل تحمُّله" (تفسير الرازي (5/59)).
وقال أيضًا: "قال القفَّال رحمه الله: انظروا إلى عجيب ما نبَّه الله عليه من سعة فضله ورحمته، في هذا التكليف، وأنَّه تعالى بيَّن في أوَّل الآية، أنَّ لهذه الأمة في هذا التكليف أسوة بالأمة المتقدمة، والغرض منه ما ذكرنا أنَّ الأمور الشاقة إذا عمَّت خفَّت، ثم ثانيًا بيَّن وجه الحكمة في إيجاب الصوم، وهو أنَّه سبب لحصول التقوى، فلو لم يفرض الصوم لفات هذا المقصود الشريف، ثم ثالثًا: بيَّن أنَّه مختص بأيَّام معدودة، فإنَّه لو جعله أبدًا، أو في أكثر الأوقات، لحصلت المشقَّة العظيمة، ثم بيَّن رابعًا: أنَّه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن، لكونه أشرف الشهور بسبب هذه الفضيلة، ثم بيَّن خامسًا: إزالة المشقة في إلزامه، فأباح تأخيره لمن شق عليه من المسافرين والمرضى، إلى أن يصيروا إلى الرَّفاهية والسكون، فهو سبحانه راعى في إيجاب الصوم هذه الوجوه من الرحمة، فله الحمد على نعمه كثيرًا" (تفسير الرازي. (5/63)).
وقال ابن الجوزي: "قال بعض العلماء: إنَّ الله تعالى قال في المكروهات: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] على لفظ لم يسم فاعله، وإن كان قد علم أنه هو الكاتب، فلمَّا جاء إلى ما يوجب الراحة، قال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]" (صيد الخاطر لابن الجوزي (ص101)).
وقال ابن جزى: "والقصد بقوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ} وبقوله: {أَيَّامًا معدودات} تسهيل الصيام على المسلمين، ومُلاطفة جميلة" (التسهيل (1/71)).
وقال ابن رجب الحنبلي: "الصيام يقي صاحبه من المعاصي في الدنيا، كما قال عزَّ وجلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فإذا كان له جنة من المعاصي، كان له في الآخرة جنة من النار، ومن لم يكن له جنة في الدنيا من المعاصي، لم يكن له جنة في الآخرة من النار" (جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص271)).
"وجعل الله الصيام معادلًا لتحرير الرقبة في ثلاثة أحكام من كتابه:
إذ جعل على من قتل مؤمنًا خطئًا، تحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} وجعل الذين يظاهرون من نسائهم، ثم يعودون لما قالوا، تحرير رقبة من قبل أن يتماسا، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وجعل كفارة اليمين تحرير رقبة: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} فانظر لم كتب الله على من ارتكب شيئًا من هذه الخطايا الثلاث: أن يحرر رقبة مؤمنة من رق الاستعباد، فإن لم يجدها فعليه أن يعمل على تحرير نفسه من رق مطالب الحياة، ورق ضرورات البدن، ورق شهوات النفس، فالصيام كما ترى هو عبادة الأحرار"
م/ن