والكافرون: في تعريفها بأل تعني الجنس فهي لا تخصِّصُ الكافرين في عصرٍ من العصور بل تشملُ كلَّ من اتَّصف بهذه الصفة
أي كلَّ من كان جاحداً لفضل الله ونعمه مُنكراً متناسياً إذ الكفر جحود بالخالق وهو أيضاً نكرانٌ بالنعمة وسترها
وهو والحالة هذه نقيض الشكر، الذي هو رؤية الإحسان وشهود نعمة المنعم.
ويكون المراد من آية: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}:
أي: قل أيها المؤمن لنفسك مخاطباً ولأولئك المعرضين مُبيِّناً يا أيها الكافرون لنعم الله الذين عميت نفوسهم
فلم تستنر بنور ربّها، ولم ترَ ما يسوقه من الفضل والإحسان لها.
{لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}:
ولا أعبدُ: أي: لا أطيع ما تطيعونه من أصنامٍ وشيطان ونفسٍ وغير ذلك سوى الله تعالى. إذ أنني بإقبالي على ربي أصبحت ذا بصيرة
أسير على نور من ربي وهدى فأنا لا أفعل ما تفعلون من الشرّ ولا أتَّبع الهوى ذلك لأنني رأيت ما في ذلك من هلاكٍ وأذى.
وقد جاء التعبير عن العبادة هنا بكلمة (أعبُدُ) و (تعبدون) أي: في صيغة المضارع بياناً للحال الراهن وتخصيصاً لذلك بوقت المتكلِّم.
وجاء في الآيات التالية بصيغة اسم الفاعل أي كلمة (عابد) و (عابدون) بياناً للاستمرار والدوام.
إذ أن صيغة اسم الفاعل تعني ثبوتُ الصِّفة غير مقيَّدةٍ بزمنٍ من الأزمان
.
{وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}:
أي: وأنتم بإعراضكم عن خالقكم أصبحت نفوسكم فاقدةً ذلك النور الذي يُضيء لها طريقها
محرومة من تلك البصيرة التي تريها سبيل سعادتها.
ولذلك مهما نَصحْتكم وبيَّنت لكم لا تنزعون عن الشر ما دمتم متلبِّسين بهذا الإعراض.
{وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ}:
أي: ما دمت على هذا الحال من الإقبال مُستنيراً بهذا النور الإلهي الذي أرى به طريق الحق
فلا يمكن أن أسلك سلوككم أو أفعل ما تفعلونه أنتم.
{وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}:
ما دمتم أنتم مستمرين على هذا الحال من الكفر بنعم الله والجحود لفضله وعدم الإقبال بنفوسكم عليه لا يمكن لكم أن تسلكوا طريقي
ولا تطمئن نفوسكم إلى فعل الخير وعمل الصالحات بل تظلّون على ما أنتم عليه من مقارفة الأذى والشر وفي النهاية:
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}:
والدين: هو الشريعة والمذهب والدين: هو الحساب والجزاء والمراد بالدين هنا: الجزاء على الأعمال مما يدينك الله به
أي: يُوفِّيك عليه حسابك جزاءً على ما قدَّمت.
ويكون معنى هذه الآية: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}:
أي: لكم ما ينتج عن عملكم، وستُجزون على ما قدَّمتم من أفعالكم وليَ نتاج عملي وسأُكافأ على ما أقدِّم من الخير
ويكون مُجمل ما نفهمه من هذه السورة:
إن الإنسان إذا أقبل على ربه حُفِظَ من عمل الشر ودام محفوظاً من الوقوع فيه ما استمر على إقباله
. فإذا هو لم يُقبل على ربه ولم يقدِّر نِعَمه حق قدرها، كان ذلك سبباً في مقارفته المعاصي وإيذائه للناس
وهو لا يهتدي إلى طريق الحق ولا يفعل الخير ما دام متلبِّساً بكفره وإعراضه.
وإذاً: فالإيمان والإقبال على الله مصدر كل خير وإحسان والكفر والإعراض عنه
تعالى سبب كلِّ شرٍّ ومبعث كل أذى وشقاء.